البريد الإسلامي

الثلاثاء، 30 نوفمبر 2010

ماذا بعد الملك خالد .. (( التويجري )) ؟ مقال قوي

ماذا بعد الملك خالد ؟!

همام السعيد
الحمد الله الذي استأثر بعلم الغيب والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
لم يعد يخفى على متابع قوة وضخامة التحركات والتغييرات التي يجريها رئيس الديوان الملكي خالد التويجري في أرض واقع المجتمع السعودي، لقد أذهلت هذه الكرة الثلجية من القرارات حتى بعض أفراد العائلة المالكة فأصبح (الأمير مشعل بن عبد العزيز) يسمي رئيس الديوان الملكي (خالد التويجري) بالملك خالد! فقد أضحى ملك الظل الذي يأمر وينهى وكأنه الوريث الشرعي لحكم آل سعود!
ولم يعد يخفى أيضا الحنق الشديد الذي يحمله أفراد العائلة المالكة على هذا التحكم المطلق واستلاب الحكم في الكواليس الذي أدى إلى تجييش شعبي عارم ضد هذه الأسرة المالكة ونظام الحكم، ويلاحظ بين الفينة والأخرى خروج أصوات من جناح الصقور في العائلة المالكة (الأمير نايف-الأمير سلمان) لتهدئة هذا الحقد الشعبي ومحاولة التذكير بأصل هذه الأسرة وأنها قامت على التوحيد ولتحمي جناب التوحيد وأنها تتبرأ من التيار الليبرالي، حتى وصل الأمر لأن يدافع الأمير سلمان عن حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مقال كامل، وهي الحركة التي تلقى أشد التشنيع في العالم شرقه وغربه، والمجازفة بهذا الدفاع الذي قد يضع الدولة السعودية في مرمى السهام الموجهة نحو الوهابية التي تنسب إليها حركات التشدد والتعصب والإرهاب، كل هذا في سبيل تهدئة الشعب ولامتصاص الغضب الجيّاش تجاه تصرفات التيار الليبرالي التي تصدر باسم الملك عبد الله وباسم العائلة المالكة، ولكن هيبة الحكم تمنع هذا الجناح من إعلان الحرب على هذه القرارات، وتضغط تجاه عدم التحرك الواضح والمباشر والجلي تجاه هذه التصرفات، وإلا فإن الممانعة تجاه التيار الليبرالي تظهر في بعض المواقف العلنية، وفي بعض المواقف غير المعلنة بوكز العلماء للتحرك، وإرسال سفراء عن الدولة للدعاة لتشجيعهم وتحريضهم، وتظهر أيضا بالتغاضي العجيب ورفع سقف الحرية في الحديث عن أفراد من العائلة المالكة، فلم يعد من المشكل مثلا الحديث عن “صناعة الضباب” حول الملك، ولم يعد من المشكل أيضا شن الحملات الشعواء على أمير منطقة بسبب قرار إماريّ!
ولهذا يعلم دهاقنة التيار الليبرالي أن اليوم يومهم واللعبة لعبتهم، كما ويعلمون أن وقت هذه اللعبة قد ينقضي بشكل مفاجئ في أي لحظة خصوصا مع تدهور الحالة الصحية للملك عبد الله بالإضافة إلى شرارة نقص الثقة التدريجي في خالد التويجري وتياره التي أشعلها التحرك الحقيقي القوي من قبل جناح الصقور لإزالة هذا الاستلاب عبر توضيح السرقات المالية للملك عبد الله وإعلامه بأن موضوع النزاهة المالية في الديوان عبارة عن سحابة صيف تتكون من الهراء وتنقشع عند أقرب مشروع مالي قابل للسرقة على الهامش، حتى أصبح المراقب يسمع عن ملف خالد التويجري المالي والبدء في التنبيش عن السرقات التي تحصل باسم الديوان الملكي، وقيام الأمير نايف بتجهيز وثائق تبرهن على سرقة قرابة المليار ونصف في جامعة الأميرة نورة … الخ، و ولذلك تجد منهم سرعة عجيبة في دحرجة كرة القرارات الثلجية، حتى باتت هذه الكرة تصطدم بممانعة مجتمعية ناتجة عن انعدام الأناة والتدرج في هذه الدحرجة..
وهم يعلمون تماما أن الشوط التالي لن يكون لصالحهم، ولذا يقول خالد التويجري في مجالسه الخاصة أنه إن مات الملك عبد الله فإنه لن ينتظر حتى يصلي عليه، بل سيتأكد من وفاته ثم سيغطي وجهه وينطلق محلقا ليعلن وفاة الملك من جزره المخملية، فلعبته تنتهي عند هذا الحد!
وإن الناظر المستقرئ للمستقبل القريب ليتوقع حدوث تغييرات جذرية بعد زوال هذا الرجل من سدة التحكم بالغمامة المفروضة حول الحكم، ويمكننا أن نخمن هذه التغييرات على عدة أصعدة: تغيير في مفاصل التحكم والوزارات التي تغلغل فيها التيار الليبرالي، والمحاسبة العلنية لهذا التيار، وتغيير في الصورة التي انطبعت عن الدولة في حكم الملك عبد الله، وإعادة توازن التيارات..
الوزارات ومفاصل التحكم :
لقد أصبح واضحا لرجل الشارع تحكم هذا التيار في مفاصل الوزارات الحيوية المؤثرة تأثيرا مباشرا على المجتمع، مثل وزارة الإعلام والتعليم والعمل وغيرها، لقد سيطر التيار على هذه الوزارات التي تمثل الهوية والواجهة الشعبية للمجتمع السعودي، وعاثوا فيها فسادا، واستخدموها استخداما كاملا صريحا في معركتهم، والمتوقع بدء تغير تدريجي استصلاحي يبدأ من الرأس لينتقل إلى الأعضاء، تدرج لا يضر ولا يعرقل عمل هذه الوزارات، إلا أنه على الأقل يحيدها من ناحية الحرب الفكرية بين التيارات، ويخرجها من ساحة المعركة ومن كونها ميدانا للصراع، ويعيدها لعملها الأصلي في خدمة المواطن، وبناء القرارات الوزارية على دراسات علمية محكّمة لا على تكتيكات أيدلوجية يمليها واجب المعركة!
المحاسبة العلنية لهذا التيار :
فوجئ المجتمع السعودي بسيل عرمرم من المشاريع الإنشائية التي وسمت بأنها حركة ازدهار خدماتي لصالح المواطن، إلا أن المتأمل يجد أن فيها محاولة حثيثة لتجفيف ميزانية الدولة، وعبث بمقدراتها، وكأن هذا المتحكم يقول للعائلة المالكة وللشعب لن نترك لكم ولا فلسا في الخزينة وعندما نغادر ستجدون أنفسكم في حيص بيص بين هذه المنشآت الضخمة التي تبنى بدون أي خطة ذات جدوى لتشغيلها، بل تبنى بجودة شديدة التدني والانخفاض، يرافق ذلك جفاف في الميزانية!
ومما يوضح هذا الأمر التناقض العجيب بين الظاهر الذي يقال عنه أنه حركة ازدهار والباطن الذي يشير إلى العبث والسرقة على المكشوف من أموال ميزانية الدولة، وصل حد العبث إلى تحويل آخر صفقة سلاح مع أمريكا من وزارة الدفاع إلى الديوان الملكي، ولك أن تتأمل أين سيذهب هامش الربح في هذه الصفقة، ولتقريب هامش الصفقة للذهن فقد تفاوضت الحكومة الصهيونية مع شركة كورب الأمريكية لشراء طائرات F-35 بمبلغ ستة وتسعين مليون دولار للطائرة، وعندها يجب علينا أن ننتظر ستمائة وخمسة وعشرين طائرة من نوع F-35 تصل للسعودية، وهنا سينطبق قول الشاعر على هذه الصفقة، ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار!
ولا تسأل عن الميزانيات الخيالية الضخمة التي تتبخر بشكل عجيب، ثم تصرف في مؤسسات شخصية مثل مؤسسة الفكر العربي لسعادة الأمير الأديب الكاتب الفذ العبقري خادم حجاج بيت الله الساهر على شئونهم … الخ خالد الفيصل، أو تغطى بصرفيات رسمية، وما جامعة الملك عبد الله عنا ببعيد، إذ هي تعاني الآن من عجز غريب في ميزانياتها، ويعاني طلابها من شح غريب في المميزات التي وعدوا بها، ولتهدئة هؤلاء الطلاب تظهر تصريحات من القائمين على هذه الجامعة بأنها تعاني من عجز في الميزانية وشح في السيولة ويطلب منهم المسئول أن يصبروا ويحتسبوا، وكأنه مسكين أصابته فاقة! ولا تتحدث عن السوء الشديد في البنية التحتية للجامعة، والأعطال العجيبة الموجودة في مبانيها ومعاملها، وكأن الذي بناها قد استخسر أن يدفع فيها تكاليف الجودة، وهي التي صرف عليها عشرات المليارات، ووضعت لها الأوقاف (خارج الدولة لضمان استمراريتها ولإنعاش الأصدقاء!)، ولكنها تبخرت بفعل فاعل أو تيار، وعلى هذا فقس!
إن المتوقع فيما بعد عصر الملك خالد أن تكون هناك محاسبة علنية شفافة لرؤوس هذا التيار، وأن تتم ملاحقتهم قضائيا وقانونيا أينما حلوا وارتحلوا، والبحث عن مستمسكات ووثائق قانونية تدين سرقة هذا التيار على غرار مستمسكات جامعة الأميرة نورة، حتى يتنفس المواطن شيئا من الصعداء..
صورة الدولة :
أدرك الجميع بما فيهم المتابع الغربي حجم التغيرات التي طرأت على واقع القرارات والتوازنات والتعاملات مع مختلف التيارات في المجتمع السعودي باسم العائلة المالكة، حتى بلغ حجم التغيرات الهائل حدا أصبحنا نسمع معه عما يسمى بالدولة السعودية الرابعة التي دشنها الملك عبد الله، وخرجت على ذلك تصريحات من القريب والبعيد، يسميها البعض بالدولة الإصلاحية، ويتكلم عن مثالبها البعض الآخر!
إن المراقب للدول السعودية الثلاث، سيلحظ أنها قامت على أسس وركائز واضحة، لنسمها بأي اسم، ولنتحدث ما شئنا عن المنطلقات من وراء هذه الأسس، ولنغض الطرف عن النقاش الذي يجعلها وسائل أو غايات، ولكنها جميعا تتفق في هذه الأصول التي أصبحت مختلفة تماما في ظل هذه الدولة السعودية الرابعة!
إلا أن الأفق البعيد يشير إلى أن هذه الصورة النمطية لابد من إزاحتها وإرجاع الركائز إلى أصلها، ونزع الغبش المتولد من بعض القرارات حتى لو أدى ذلك إلى تغييرها، فليس جناح الصقور في آل سعود بأضعف من التيار التويجري حتى يغير الثاني قرارات مضى على العمل بها عشرات السنين، ولا يغير الأول قرارات حديثة عمرها لا يتجاوز الخمس سنيّ..
النظر في جميع التغييرات التي حصلت في الدستور والقوانين والقرارات، وتعديل ما تم تغييره، وإعادة ما حذف منها، وإزالة ما أضيف إليها أمر جوهري ومحوري لابد أن يتم حتى تعود للصورة نقاؤها، كذلك تقويم الواقع الذي نشأ عن هذه القرارات، فقرارات وزارة العمل حدث على أثرها تغير واقعي، وحين تغيير القرار لابد أن تتغير نتائجه على أرض الواقع، فمثلا، عند حذف قرار شرعنة عمل المرأة في الأماكن المختلطة، فسنتصور ملاحقة المخالفين لهذا القرار السائرين على القرار السابق، كما هو الحال مثلا في تأنيث التعليم في الصفوف الدنيا، إذا تم تعديل هذا البند، والحال كهذا في الجامعات والوزارات، ومن المستبعد أن يحدث ما يقوله البعض من أن القرار إذا طلع خلاص انتهى ولا يمكن تعديله، وهذا هو بالضبط ما يحلم به التيار الليبرالي، وضده تماما هو المتوقع، حيث تعدل هذه القرارات وكذلك صورتها على أرض الواقع..
إعادة توازن التيارات :
بات من الواضح جدا تقليم أظافر التيار المحافظ بجميع أطيافه، وهو التيار الذي يعلم أهميته جيدا أهل العقول في العائلة المالكة ويستعان به في ما يحزب من المعضلات، ففي مواجهة الإرهاب كانت لهذا التيار اليد الطولى في المعركة والوقوف ضده فكريا، والفكر لا يقمع إلا بالفكر، وهو التيار الذي قامت عليه الدولة الأولى والثانية والثالثة مستمدة الشرعية من رموزه وعلمائه، ونلحظ تقرير هذا المبدأ في عبارات الملوك والأمراء بشكل متواتر، حتى بدا واضحا التلازم الطردي بين الدولة والمنهج السلفي، فإن قوي هذا قوي الآخر، ونلحظ تبادل الرعاية والحماية بينهما، ووضع هذا التيار حاليا هو وضع شاذ بين القرون الثلاثة الأخيرة، فهو يتعرض للصفعات الفينة تلو الفينة، ويتوقع من أهل الحكمة في العائلة المالكة إعادة الهيبة لهذه الرموز من العلماء والمؤسسات الدينية، وكف أيدي التيار الليبرالي عن التعرض والإيذاء، وإعادة نفوذ هذا التيار في الدولة لأنه مدد الشرعية وأصل البيعة التي يقوم عليها نظام الحكم، ومراعاة النفوذ العريض لهذا التيار في الشعب، فالشعب محافظ بفطرته، يدور مع علمائه حيث داروا، وبقيت هذه العلاقة بين الشعب وعلمائه قائمة مع توالي الحملات الشعواء التي شنها التيار الليبرالي على هذه العلاقة، وعلى هذا فمراعاة هذه العلاقة أمر حتمي، وكذا إضفاء الدعم لبقية الحركات الموجودة في المجتمع، فمراعاة الحركة العلمية وتأييدها وإقامة الحملات لدعم الاختراعات التي يتوصل لها العالم السعودي في الفيزياء أو الطب أو غيرها من العلوم أمر مطلوب بشكل ملح، كما وهو الحال في دعم الحركة الاقتصادية والأمنية والحكومية -المرور، الحكومة الإلكترونية.. الخ- وتطوير الجامعات والمراكز البحثية ومؤسسات الخدمات المدنية، وإعطاء هامش من الحرية لهذه التيارات المختلفة دون التحيز لطرف دون آخر..
هذه بعض التوقعات اللائحة في الأفق لعصر ما بعد الملك خالد التويجري، نسأل الله أن يصلح العباد والبلاد..
  
همام السعيد
19-12-1431

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق