http://www.assabeel.net/assabeel-essayists/29401-%D9%88%D8%A7%D8%AA%D9%91%D9%82%D9%88%D8%A7-%D9%81%D8%AA%D9%86%D8%A9.html
د. أحمد نوفل - يستغرب بعض غرباء الوجه والعقل واليد واللسان أن يرفع المسلمون شعاراً مفاده أن إسلامهم هو حل مشكلاتهم..
وقد ذهبوا بالشوط بعيداً حين أصدرت محاكمهم الأمنية لا القضائية ولا القانونية ولا العدلية ولا الدستورية.. أصدرت أحكاماً بحق من علقوا مثل هذا الشعار في دعاياتهم الانتخابية، والعالم يموج موجاً بالانتخابات.. من ساحل العاج إلى الولايات المتحدة مروراً بالعالم العربي.. أقول صدرت ضد هؤلاء أحكام بالحبس مع النفاذ وربك ستر من غير أشغال شاقة مدة سنتين..
وهذا ما لم نر مثله في زمن المحفور له مصطفى كمال أتاتورك اليهودي، فيبدو أننا بصدد سبق قياسي جديد نتفوق فيه على الشيطان نفسه. وأمريكا التي أمرت أوكرانيا بإعادة الانتخابات (بالجزمة).. عميت وصمت وخرست وانبكمت وعمهت عما يجري في العالم العربي.. ففي أوكرانيا جاءت الانتخابات المعادة بأصحاب الثورة البرتقالية عملاء أمريكا، بينما جاءت الأولى بعملاء الاتحاد السوفياتي. ولو كانت الانتخابات نزيهة في عالم العربان لأتت الرياح بما لا تشتهيه السفن الأمريكية والإسرائيلية.. فغض الطرف إذاً إنك من الحلفاء.. لأمريكا والشيطان!
واستخدام البلطجية على رأي الأستاذ هويدي، حتى نفد سوق عمالتهم ونفق، وفي الليلة الانتخابية يفتقد البلطجية!
نتجاوز هذا فقد عقدت العزم ألا أخوض في هذه المسائل فلا جدوى. وبحت الأصوات وجفت الأقلام وطويت الصحف..
ونعود إلى دستورنا الخالد قرآننا العظيم الذي فيه ذكرنا وبه عزنا ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
والذين سجنوا من أجل هذه الكلمة، هل لو قالوا: العلمانية فهي الحل، كان جرى لهم ما جرى؟ أوليست العلمانية ديناً؟ أوليست الليبرالية ديناً؟ أوليست اللادينية بكل صورها ديناً؟ ألم يقل الله للكافرين: "لكم دينكم ولي دين". أما قوله تعالى في قصة يوسف: "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك"؟ أي في قانونه. فكل منهج أرضي أو سماوي هو ملة ومذهب ونحلة ودين! ولو قيل: الحزب الحاكم ومبادئه هي الحل أو فلان هو الحل كان حل الغضب على قائلها! أم كان كوفئ إلى عنان السماء وتوسم الناس فيه خيراً وأعطوه الأوسمة. هزلت وكثرت مهازلها! وكم ذا بديار العرب من المبكيات المضحكات "والمسخرات"!
أقول: استوقفتني الآية التي عنونت بها هذه الكلمة مطولاً.. وتأملتها ملياً، وقلبت النظر فرأيتها جمعت فأوعت واستوعبت صوراً لا تنتهي تحت هاتين الكلمتين: واتقوا فتنة!
هذا هو الكلام الذي قامت عليه السموات الأرض، وقام عليه العدل والحق، وقامت به الدنيا والآخرة والوجود كله، لا الكلام الهلامي الظلامي الكلامي وبس الذي هو كما قال السوداني: كلام ساكت!
إن الفتنة تموج بالعالم العربي موجاً وتعصف به عصفاً كأنها تسونامي ضرب هذا العالم فما أبقى.. وطوح به فما ترك قائماً!
ولو تتبعنا مواطن كلمة "فتنة" في القرآن العظيم لوجدنا أن أهم مورد لها في موطن ترك الجهاد والقتال وترك الناس بلا غطاء ولا سقف تتناوشهم سهام الأعداء:
واستمع الآيات: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" البقرة 191 والأنفال 39.
والممتنعون عن الجهاد من المنافقين "ألا في الفتنة سقطوا" والفتنة هنا بمعنى استخدام العدو القوة في رد المسلمين عن دينهم بالإكراه والإرغام والقوة، أو بقوته يفتن الناس فتعجب به، والناس بطبيعتها تتبنى فكر ذي القوة ولو كان فكراً ماركسياً ملحداً كما حصل في موجة أو هوجة الشيوعية التي ضربت كالإعصار عالمنا العربي.
أو كان فكراً رأسمالياً متوحشاً كالفكر الإمبريالي الأمريكي، فكم فتن به أناس وتعشقوه حتى السكر والذوبان فيه؟! وكم ظن المخدوعون أمريكا جنة الأرض أو الإله المعبود في الأرض، فعدم امتلاك القوة الرادعة فتنة.. وترك الأمة ومقدساتها وثرواتها نهباً للوحوش والذئاب وحتى الثعالب والكلاب! فكل هذه من صور الفتنة. وقد عد القرآن أن الفتنة "أشد من القتل" وهي "أكبر من القتل" أي أشد من جهة الأثر العمودي الرأسي، وأكبر من جهة العدد والتغطية الأفقية والانتشار.
ومن هنا دعاء المؤمنين: "ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا" أي أن يكون ضعفنا إغراء للكافرين بتزيين كفرهم في نفوسهم مزيداً بدل أن تكون قوتنا سبيلاً للفت أنظارهم إلى حقنا. وتكرر في "يونس": "ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين" والذين في قلوبهم زيغ يؤولون القرآن تأويلات فاسدة "ابتغاء الفتنة".
وقد أحسن صاحب الظلال في تفسير آيتنا التي عنونا بها فقال: "ثم يحذرهم القعود عن الجهاد، وعن تلبية دعوة الحياة، والتراخي في تغيير المنكر في أي صورة كان: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" والفتنة: الابتلاء أو البلاء.. والجماعة التي تسمح لفريق منها بالظلم في صورة من صوره، وأظلم الظلم نبذ شريعة الله ومنهجه للحياة، ولا تقف في وجه الظالمين، ولا تأخذ الطريق على المفسدين.. جماعة تستحق أن تؤخذ بجريرة الظالمين المفسدين.. فالإسلام منهج تكافلي إيجابي لا يسمح أن يقعد القاعدون عن الظلم والفساد والمنكر يشيع، فضلاً عن أن يروا دين الله لا يتبع بل أن يروا ألوهية الله تنكر وتقوم ألوهية العبيد مقامها، وهم ساكتون".
هذا وموضوع "الفتنة" يطول. ولا يحسبن الناس أن يتركوا "أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون".
لكن نبهنا نصان كريمان من سورتين هما الأنفال والتغابن إلى أن الأموال والأولاد فتنة، فقال النص المشترك بين السورتين: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة." الأنفال28 والتغابن15.
وكل الناس لكل الناس في نهاية المطاف فتنة: "وجعلنا بعضكم لبعض فتنة" الفرقان. والشر والخير في النهاية فتنة: "ونبلوكم بالشر والخير فتنة".
والآن نعود إلى النص الذي نريد التوقف عنده قليلاً: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب". يحذر القرآن المسلمين ويلزمهم أن يتقوا الوقوع في فتنة لن يقف شرها وشررها وضررها عند حدود مشعليها.. بل يتعداهم إلى الأمة جميعاً وإلى الدين ذاته.
فرب مشعل حريق بعود كبريت قد يلتهم الحريق آلاف الأشجار ويدمر مرافق ومنازل ويقتل أبرياء، وهو عابث مجرم لا يبالي ما يفعل!
وإن من أخطر الفتن اليوم ما يتعرض له أبناؤنا من موضوع المخدرات. يحدثني صديق أن زوجه وهي تغسل بناطيل الأولاد سقط من الملابس حبوب مخدرة، والبيت فيه دين، فسأل ابنه فأفاد أنه وعدداً من طلاب المدرسة أثناء وقوفهم جاء من يعرض عليهم المشروب الغازي، وفي اليوم التالي كذلك، وفي يوم آخر الدخان، وفي يوم تال الحبوب المخدرة مجاناً بدعوى أنها ستجعلكم "تسلطنون" على حد تعبيره. فمن يراقب ومن يحرِس ومن يمنِع؟ وإني أزعم أن وراء كل هذه الظواهر هذا العدو المجرم.
ومن الذي يجند الجواسيس في طول العالم العربي والإسلامي وعرضه؟ إنهم هم المجرمون أنفسهم! ومن الذي يسقط الشباب والشابات في شبكات الدعارة المنظمة؟ ومن يروج عبادة الشيطان؟ يقول مدرس دخلت غرفة طالب لأعطيه الدرس الخصوصي وإذ بغرفته طليت بالأسود، وعلق فيها صور الجماجم، فقلت: ما هذا؟ قال: أستاذ أنا من عبدة الشيطان. وما انتبهت –يقول- إلا عندما طلبوا مني أن أضع أوراق المصحف في الحمام! الأمر خطير يا قومنا. والقرآن ينذر من شر مستطير، هذا في الزمن القديم، فكيف بالأزمنة المتدهورة التي نعيش؟ في الآية كلمتان: "واتقوا فتنة" تتسعان من الصور ما يستوعب مجلداً. ومن أسوأ صور الفتنة اللعب على أوتار العصبية المذهبية أو الإقليمية أو الإثنية كما هو متجل في العراق. ويوشك الفتنة أن تعصف بلبنان. والفتنة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني على يد الزمرة العميلة من أجناد دايتون. فما يقاسيه الشعب على يد ذوي القربى أشد مضاضة مما يقاسيه من يهود. أليس هؤلاء يزينون وجه الاحتلال، إذ يجعلونه أمنية من الأمنيات أن يكون ابنهم مطلوباً لليهود لا للسلطة. وصدق المتنبي:
كفى بك داء أن ترى الموت شافياً وحسب المنايا أن يكن أمانيا
أما كيف نتقي هذه الفتنة؟ وكيف نمنع حصولها ووقوعها؟ فهذا أمر مهم يطول.
فأولاً لا يجوز الاعتذار بالضعف. فهو علة العلل والمسبب لكل العلل. والضعيف يداس من كل الناس. فلا ضعف ولا وهن: "ولا تهنوا" ولا يقولن أحد: "كنا مستضعفين في الأرض" فهذا لا يقبل عند الله: "أولئك مأواهم جهنم" وهذا يقتضي تثقيفاً جديداً يعيد بناء الإنسان وقيمه ومثله وفضائله وأخلاقه وانتماءه وصلابته بدل الهشاشة التي ضربت الجميع، وبدل فقدان المناعة الذي تفشى..
لا بد أن تعاد قيمة الفداء وحب الوطن والانتماء، ويتوقف هذا البلاء من الاسترخاء والارتماء على الأعداء، والاحتماء والاستقواء بهم وبقوتهم. ألا فليعلم أن هؤلاء الأعداء بيت الداء. وإنهم ليسوا أقوياء. فهم والله كما وصف الله: "كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون".
نمنع الفتنة بالتناصح والتناصر والأخوة والتكافل والتضامن، ونمنعها بقوله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك" وقوله: "المسلم أخو المسلم".
نمنع الفتنة بتفعيل البنى الاجتماعية والمؤسسات المدنية. فلئن قصرت الدول لا تتوانى الشعوب. وإلا فإن الطامة والواقعة يوشك أن تقع. الأمر خطير ويجب منع التدهور: "واتقوا فتنة".
..............................................................................................
واتّقوا فتنة
وقد ذهبوا بالشوط بعيداً حين أصدرت محاكمهم الأمنية لا القضائية ولا القانونية ولا العدلية ولا الدستورية.. أصدرت أحكاماً بحق من علقوا مثل هذا الشعار في دعاياتهم الانتخابية، والعالم يموج موجاً بالانتخابات.. من ساحل العاج إلى الولايات المتحدة مروراً بالعالم العربي.. أقول صدرت ضد هؤلاء أحكام بالحبس مع النفاذ وربك ستر من غير أشغال شاقة مدة سنتين..
وهذا ما لم نر مثله في زمن المحفور له مصطفى كمال أتاتورك اليهودي، فيبدو أننا بصدد سبق قياسي جديد نتفوق فيه على الشيطان نفسه. وأمريكا التي أمرت أوكرانيا بإعادة الانتخابات (بالجزمة).. عميت وصمت وخرست وانبكمت وعمهت عما يجري في العالم العربي.. ففي أوكرانيا جاءت الانتخابات المعادة بأصحاب الثورة البرتقالية عملاء أمريكا، بينما جاءت الأولى بعملاء الاتحاد السوفياتي. ولو كانت الانتخابات نزيهة في عالم العربان لأتت الرياح بما لا تشتهيه السفن الأمريكية والإسرائيلية.. فغض الطرف إذاً إنك من الحلفاء.. لأمريكا والشيطان!
واستخدام البلطجية على رأي الأستاذ هويدي، حتى نفد سوق عمالتهم ونفق، وفي الليلة الانتخابية يفتقد البلطجية!
نتجاوز هذا فقد عقدت العزم ألا أخوض في هذه المسائل فلا جدوى. وبحت الأصوات وجفت الأقلام وطويت الصحف..
ونعود إلى دستورنا الخالد قرآننا العظيم الذي فيه ذكرنا وبه عزنا ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
والذين سجنوا من أجل هذه الكلمة، هل لو قالوا: العلمانية فهي الحل، كان جرى لهم ما جرى؟ أوليست العلمانية ديناً؟ أوليست الليبرالية ديناً؟ أوليست اللادينية بكل صورها ديناً؟ ألم يقل الله للكافرين: "لكم دينكم ولي دين". أما قوله تعالى في قصة يوسف: "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك"؟ أي في قانونه. فكل منهج أرضي أو سماوي هو ملة ومذهب ونحلة ودين! ولو قيل: الحزب الحاكم ومبادئه هي الحل أو فلان هو الحل كان حل الغضب على قائلها! أم كان كوفئ إلى عنان السماء وتوسم الناس فيه خيراً وأعطوه الأوسمة. هزلت وكثرت مهازلها! وكم ذا بديار العرب من المبكيات المضحكات "والمسخرات"!
أقول: استوقفتني الآية التي عنونت بها هذه الكلمة مطولاً.. وتأملتها ملياً، وقلبت النظر فرأيتها جمعت فأوعت واستوعبت صوراً لا تنتهي تحت هاتين الكلمتين: واتقوا فتنة!
هذا هو الكلام الذي قامت عليه السموات الأرض، وقام عليه العدل والحق، وقامت به الدنيا والآخرة والوجود كله، لا الكلام الهلامي الظلامي الكلامي وبس الذي هو كما قال السوداني: كلام ساكت!
إن الفتنة تموج بالعالم العربي موجاً وتعصف به عصفاً كأنها تسونامي ضرب هذا العالم فما أبقى.. وطوح به فما ترك قائماً!
ولو تتبعنا مواطن كلمة "فتنة" في القرآن العظيم لوجدنا أن أهم مورد لها في موطن ترك الجهاد والقتال وترك الناس بلا غطاء ولا سقف تتناوشهم سهام الأعداء:
واستمع الآيات: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" البقرة 191 والأنفال 39.
والممتنعون عن الجهاد من المنافقين "ألا في الفتنة سقطوا" والفتنة هنا بمعنى استخدام العدو القوة في رد المسلمين عن دينهم بالإكراه والإرغام والقوة، أو بقوته يفتن الناس فتعجب به، والناس بطبيعتها تتبنى فكر ذي القوة ولو كان فكراً ماركسياً ملحداً كما حصل في موجة أو هوجة الشيوعية التي ضربت كالإعصار عالمنا العربي.
أو كان فكراً رأسمالياً متوحشاً كالفكر الإمبريالي الأمريكي، فكم فتن به أناس وتعشقوه حتى السكر والذوبان فيه؟! وكم ظن المخدوعون أمريكا جنة الأرض أو الإله المعبود في الأرض، فعدم امتلاك القوة الرادعة فتنة.. وترك الأمة ومقدساتها وثرواتها نهباً للوحوش والذئاب وحتى الثعالب والكلاب! فكل هذه من صور الفتنة. وقد عد القرآن أن الفتنة "أشد من القتل" وهي "أكبر من القتل" أي أشد من جهة الأثر العمودي الرأسي، وأكبر من جهة العدد والتغطية الأفقية والانتشار.
ومن هنا دعاء المؤمنين: "ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا" أي أن يكون ضعفنا إغراء للكافرين بتزيين كفرهم في نفوسهم مزيداً بدل أن تكون قوتنا سبيلاً للفت أنظارهم إلى حقنا. وتكرر في "يونس": "ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين" والذين في قلوبهم زيغ يؤولون القرآن تأويلات فاسدة "ابتغاء الفتنة".
وقد أحسن صاحب الظلال في تفسير آيتنا التي عنونا بها فقال: "ثم يحذرهم القعود عن الجهاد، وعن تلبية دعوة الحياة، والتراخي في تغيير المنكر في أي صورة كان: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" والفتنة: الابتلاء أو البلاء.. والجماعة التي تسمح لفريق منها بالظلم في صورة من صوره، وأظلم الظلم نبذ شريعة الله ومنهجه للحياة، ولا تقف في وجه الظالمين، ولا تأخذ الطريق على المفسدين.. جماعة تستحق أن تؤخذ بجريرة الظالمين المفسدين.. فالإسلام منهج تكافلي إيجابي لا يسمح أن يقعد القاعدون عن الظلم والفساد والمنكر يشيع، فضلاً عن أن يروا دين الله لا يتبع بل أن يروا ألوهية الله تنكر وتقوم ألوهية العبيد مقامها، وهم ساكتون".
هذا وموضوع "الفتنة" يطول. ولا يحسبن الناس أن يتركوا "أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون".
لكن نبهنا نصان كريمان من سورتين هما الأنفال والتغابن إلى أن الأموال والأولاد فتنة، فقال النص المشترك بين السورتين: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة." الأنفال28 والتغابن15.
وكل الناس لكل الناس في نهاية المطاف فتنة: "وجعلنا بعضكم لبعض فتنة" الفرقان. والشر والخير في النهاية فتنة: "ونبلوكم بالشر والخير فتنة".
والآن نعود إلى النص الذي نريد التوقف عنده قليلاً: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب". يحذر القرآن المسلمين ويلزمهم أن يتقوا الوقوع في فتنة لن يقف شرها وشررها وضررها عند حدود مشعليها.. بل يتعداهم إلى الأمة جميعاً وإلى الدين ذاته.
فرب مشعل حريق بعود كبريت قد يلتهم الحريق آلاف الأشجار ويدمر مرافق ومنازل ويقتل أبرياء، وهو عابث مجرم لا يبالي ما يفعل!
وإن من أخطر الفتن اليوم ما يتعرض له أبناؤنا من موضوع المخدرات. يحدثني صديق أن زوجه وهي تغسل بناطيل الأولاد سقط من الملابس حبوب مخدرة، والبيت فيه دين، فسأل ابنه فأفاد أنه وعدداً من طلاب المدرسة أثناء وقوفهم جاء من يعرض عليهم المشروب الغازي، وفي اليوم التالي كذلك، وفي يوم آخر الدخان، وفي يوم تال الحبوب المخدرة مجاناً بدعوى أنها ستجعلكم "تسلطنون" على حد تعبيره. فمن يراقب ومن يحرِس ومن يمنِع؟ وإني أزعم أن وراء كل هذه الظواهر هذا العدو المجرم.
ومن الذي يجند الجواسيس في طول العالم العربي والإسلامي وعرضه؟ إنهم هم المجرمون أنفسهم! ومن الذي يسقط الشباب والشابات في شبكات الدعارة المنظمة؟ ومن يروج عبادة الشيطان؟ يقول مدرس دخلت غرفة طالب لأعطيه الدرس الخصوصي وإذ بغرفته طليت بالأسود، وعلق فيها صور الجماجم، فقلت: ما هذا؟ قال: أستاذ أنا من عبدة الشيطان. وما انتبهت –يقول- إلا عندما طلبوا مني أن أضع أوراق المصحف في الحمام! الأمر خطير يا قومنا. والقرآن ينذر من شر مستطير، هذا في الزمن القديم، فكيف بالأزمنة المتدهورة التي نعيش؟ في الآية كلمتان: "واتقوا فتنة" تتسعان من الصور ما يستوعب مجلداً. ومن أسوأ صور الفتنة اللعب على أوتار العصبية المذهبية أو الإقليمية أو الإثنية كما هو متجل في العراق. ويوشك الفتنة أن تعصف بلبنان. والفتنة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني على يد الزمرة العميلة من أجناد دايتون. فما يقاسيه الشعب على يد ذوي القربى أشد مضاضة مما يقاسيه من يهود. أليس هؤلاء يزينون وجه الاحتلال، إذ يجعلونه أمنية من الأمنيات أن يكون ابنهم مطلوباً لليهود لا للسلطة. وصدق المتنبي:
كفى بك داء أن ترى الموت شافياً وحسب المنايا أن يكن أمانيا
أما كيف نتقي هذه الفتنة؟ وكيف نمنع حصولها ووقوعها؟ فهذا أمر مهم يطول.
فأولاً لا يجوز الاعتذار بالضعف. فهو علة العلل والمسبب لكل العلل. والضعيف يداس من كل الناس. فلا ضعف ولا وهن: "ولا تهنوا" ولا يقولن أحد: "كنا مستضعفين في الأرض" فهذا لا يقبل عند الله: "أولئك مأواهم جهنم" وهذا يقتضي تثقيفاً جديداً يعيد بناء الإنسان وقيمه ومثله وفضائله وأخلاقه وانتماءه وصلابته بدل الهشاشة التي ضربت الجميع، وبدل فقدان المناعة الذي تفشى..
لا بد أن تعاد قيمة الفداء وحب الوطن والانتماء، ويتوقف هذا البلاء من الاسترخاء والارتماء على الأعداء، والاحتماء والاستقواء بهم وبقوتهم. ألا فليعلم أن هؤلاء الأعداء بيت الداء. وإنهم ليسوا أقوياء. فهم والله كما وصف الله: "كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون".
نمنع الفتنة بالتناصح والتناصر والأخوة والتكافل والتضامن، ونمنعها بقوله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك" وقوله: "المسلم أخو المسلم".
نمنع الفتنة بتفعيل البنى الاجتماعية والمؤسسات المدنية. فلئن قصرت الدول لا تتوانى الشعوب. وإلا فإن الطامة والواقعة يوشك أن تقع. الأمر خطير ويجب منع التدهور: "واتقوا فتنة".
..............................................................................................
http://www.alanba.com.kw/AbsoluteNMNEW/templates/globaltemp.aspx?articleid=154211&zoneid=91&m=0 | ||||||||||||||||
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق