البريد الإسلامي

السبت، 18 ديسمبر 2010

الطريفي يرد بقوة على منع النقاب في السعودية+ذلك "الصحوي" الذي أجهدته أثقاله للشمراني

بسم الله الرحمن الرحيم

إن لعقد الفضيلة خرزات، يجتمع على إزاحة الواحدة منها جهات وأفراد، ليتتابع العقد انفصالاً، وينفرط في حين غفلة وتغافل من أهل العلم والرأي والعقل والغيرة.
عاش المجتمع زمناً والإعلام يروج للتبرج والسفور، في صور التحضر والتمدن والتقدم، وهو نوع من قسر العقول، وأطرها على اللحوق بركب الحضارة، والبراءة من التخلف، ومع هذا بقي المجتمع مستمسكاً في غالبه، ومدركاً للفرق بين الحضارة الحقة والحضارة المزيفة.
دعي بعدها إلى حق المرأة في حرية اللباس، ولكن قد جاءت النصوص من وحي الخالق سبحانه صريحة في إثبات الحجاب وفرضه، ووجوب الستر وصلته في توازن الفطرة وضبط الغرائز، نودي إلى تعبيد الطريق الصعب وتذليله، دعي إلى أن الحجاب ( عادة)  و(تقليد) وليس من الدين في شيء، وذلك حتى تسمع الأذان المعرضة للأصوات المنادية بضده، وتلين الفطرة المتصلبة في رفض تلك الدعاوى، لم تكن النصوص الحاملة لمعاني الحجاب والستر تلين بأفواه أولئك الداعين ليمضغوها ويصيروها كيف شاؤا، فهي لا تقبل إلا الامتثال والتسليم أو الجحود والنكران.
جاءت المرحلة الثانية: بعد الإياس من التدليس في ذلك، إلى التحول من قسر العقول والنفوس إلى قسر الأبدان وهتك الأعراض بالقوة:
هاتفتني فتاة تعمل في جامعة (كاوست)، تقول: إنها وزميلاتها أبلغهن نائب الجامعة: ( نظمي نصر ) بأنه يجب عليهن نزع النقاب أو الطرد من العمل ! وقال: لن أقبل بمن تغطي وجهها ولو كانت بدرجة الامتياز
لم يكن يخطر في بال عاقل غيور أن مثل هذا يحصل في هذه البلد، ونساؤها على الستر والعفاف وستر الوجه، فطلبت الاستيثاق من ولي أمرها، وأكد الأمر بنفسه، بأسماء المبعدات يوم الأربعاء 9/محرم/1432، وكان آخر حديثه معي:
 هل أنا في بلد الإسلام أم لا ؟!
وإني أوجه هذا الرسالة إلى كل من تحمّل سلطان العلم وسلطان الأمر في هذه البلد خاصة؛ وذكره بالتخصيص يفتح باب الإطالة، وهو معنيَ وإن لم يُسم، إذ لا يقدر أحدٌ على أن يتولّى تخصيص الكل باسمه فيراعيه بلفظه ومعناه، وذلك لكثرة من يستحق أن يوجه إليه الخطاب من أهل العلم والأمر والحمد لله.
وإني أقدم ما لا أستجيز تأخيره من النصيحة، وأضع نفسي بينكم، قابضاً بيديَّ على يمين عالمها وشمال سلطانها، ماشياً معهم إلى حيث تصير البلاد ! أتولى قارها راضياً، وأتولى حارها ناصحاً صابراً .
وإنّ عيناً ترقد على انطلاق البلد إلى ما لا يُرضي الله للعمى أحسن بها، وإن نفساً تقِرُّ على ما لا يُرضي الله للموت أولى بها من حياتها.
في الصحيحين عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تحشرون - يوم القيامة- حفاة عراة غرلاً، قالت عائشة: يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض، فقال: الأمر أشد من أن يهمهم ذاك، قالت امرأة - كما عند الطبراني-: يا رسول الله ادع الله أن يستر عورتي قال: اللهم استر عورتها).
ظهرت لوعة القلب وهمه على العفيفة في ظهور العورة في يوم العرض فسألت ما لا حاجة إلى سؤاله لانشغال كل بنفسه، وينبغي أن تسأل أولى منه، ومع ذا أجاب رسول الله طلبها، لأن للعفيفات هم قلب لا يدركه من نشأ على الانفلات والانسلاخ، وقد أجابها رسول الله في هم عورتها يوم القيامة والفزع، فمن يجيب العفيفات في أعراضهن أن يكشفهن من لا يقيم للحرمات والحياء وزناً ..
إن المرأة العفيفة لتحمل هم العرض على الله أن تكشف عورتها في حال شخوص الأبصار عنها، فكيف إذا كشف منها ما لا تريد كشفه والأبصار كلها إليها !
اللهم استر عوارتهن .
وأقول وإني أعرف معنى الحضارة، وأٌدرك مراتب الأخلاق والفطرة، وأُفرق بين حضارة تطير فيها الطائرة وبين حضارة يطير فيها الجلباب والحجاب، وأن كثيراً ممن يحاول الخلط بين هذه المفاهيم المنفكة، يدور في فلك الوهم الذي صنعه لنفسه.
وهذه رسائل حول هذه الحادثة:
أولاً : لن تجد هؤلاء الفتيات من يقف معهن من أي كاتب أو وسيلة إعلامية، كما يتم الجلبة على قضايا العفة والستر، لأن الإعلام لا يسيره الإنصاف.
ثانياً : الذي أدين الله به أن من أكره مسلمة على نزع نقابها الذي تدين الله به وتستتر امتثالاً لأمر ربها به، وهو تحت ولاية المسلمين أنه يجب عزله، ومحاكمته لدى القضاء الشرعي، وإن لم يرجع عن عمله، فيُحبس حتى يرجع أو يقضي الله في أمره.
فالحجاب فريضة الله في سائر الشرائع، وتغطية الوجه شرعة الله لنساء المسلمين، قال تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) ولا تُعرف المرأة برجلها أو بكفها وإنما بوجهها.
روى ابن جرير بسند صحيح عن علي عن ابن عباس، في تفسير هذه الآية: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب.
وكانت عائشة تحث حتى المحرمات بحج وعمرة وهن من يحرم عليهن التنقب، تأمرهن بتغطية الوجه عند الرجال، فروى ابن سعد في "الطبقات" بسند صحيح من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن أمه وأخته أنهما دخلتا على عائشة يوم التروية فسألتها امرأة: أيحل لي أن أغطي وجهي وأنا محرمة؟ فرفعت خمارها عن صدرها حتى جعلته فوق رأسها.
روى ابن خزيمة في صحيحه، عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء قالت: كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك.
وقال إمام أهل المناسك عطاء بن أبي رباح: يرفع المحرم ثوبه إذا كان مضطجعا إلى عينه ، وتشدد المحرمة ثوبها على وجهها.
رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح.
وقال فقيه المدينة القاسم بن محمد: تخمر المحرمة وجهها كله.
رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح .
والمرأة السافرة هي من كشفت عن وجهها في لغة العرب، قال ابن المنذر في الأوسط: معروف في كلام العرب قولهم أسفرت المرأة عن وجهها، وأسفري عن وجهك اكشفي.
قال القرطبي المالكي (14/243): (كانت عادة العربيات التبذل، وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الاماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن، وتشعب الفكرة فيهن، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن، وكن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكنف).
وقال الزمخشري -وهو من أئمة أهل اللغة- : (3/569): (ومعنى (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ) أي: يرخينها عليهنّ، ويغطين بها وجوههنّ وأعطافهنّ  يقال : إذا زل الثوب عن وجه المرأة : أدنى ثوبك على وجهك ) .
إن التعدي على لباس الرجال الأحرار، لا تتقبله النفوس، فكيف التعدي على دين امرأة وعرضها، بإلزامها أن ترفع وتنزع ما تدين الله به، وليس هذا من كرامات الرجال، فضلاً عن أن يكون من دين الله الحق، 
روى ابن الجوزي في كتابه المنتظم بسنده عن القاضي محمد بن أحمد بن موسى قال: حضرت مجلس موسى بن إسحاق القاضي بالري سنة ست وثمانين فتقدمت امرأة فادعى وليها على زوجها خمسمائة دينار مهراً فأنكر فقال القاضي: شهودك؟ قال: قد أحضرتهم، فاستدعى بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة ليشير إليها في شهادته فقام الشاهد وقال للمرأة: قومي ! فقال: الزوج تفعلون ماذا؟ قال الوكيل: ينظرون إلى امرأتك وهى مسفرة لتصح عندهم معرفتها .
فقال الزوج: فإنى أشهد القاضى أن لها علي هذا المهر الذي تدعيه ولا تسفر عن وجهها !! فأخبرت المرأة بما كان من زوجها، فقالت: فإنى أشهد القاضي أن قد وهبته هذا المهر وأبرأته منه في الدنيا والآخرة.
فقال القاضي: يكتب هذا في مكارم الأخلاق.
ثالثاً : أن هذا البلد أنعم الله عليه أن قام على الدين القويم، والخلق المتين، والفطرة السوية، وأعظم أسباب استدامة النعمة والتمكين الثبات على تلك النعم، فالمُنعم عليه لا يتهنّأ بنعمته الواصلة إليه إلا بالشُّكر لواهبها، وأن الانقلاب على ذلك علامة تحول، وانخراط عقد الثبات، والتاريخ شاهد، وإن ترك المتهاون في ثوابت هذا البلد وما قام عليه، تجرأ هو وغيره، ولن يتجرأ أهل الباطل على باطلهم إلا عند أمان العقوبة.
وأعظم ما يجعل المحسن يتهاون في بذل إحسانه، أن يرى الرفعة والإحسان للمسيء وحينها يفسد الأمر ويضيع العمل، وكما قيل: إذا كان للمحسن من الثواب ما ينفعه، وللمسيء من العقاب ما يقمعه، بذل المحسن ما عنده رغبة، وانقاد المسيء للحق رهبة .
رابعاً : أن إصلاح وضع جامعة كاوست وما فيها من منكرات كالاختلاط والإكراه على السفور من الأمور الواجبة المتحتمة على أهل العقل، وإن التغافل عما عليه، واصطناع الوهم أن الحضارة والتقدم لا تأتي إلا بالتخلق بأخلاق الغرب، فهذا مما لا يجري على أصول الفكر ولا على قواعد النظر في كل حضارة تفرق بين الخير والشر الممتزج في الذات الواحدة.
والغرب بصورته اليوم بينه وبين عداء الإسلام كدين مفاوز بعيدة، فهو الآن يواجه الفطرة الإنسانية بجميعها،  التي تشترك فيها سائر الملل قبل أن يصل إلى مواجهة الإسلام، وقد رأيت بنفسي قبل أسابيع خبراً بثته قناة سويسرية تبشر بدراسة قانونية تمكن الرجل أن ينجب من ابنته، وإنما يدرسون إمكان تلافي الأمراض الوراثية طبياً فقط.
أيها العقلاء ..
إني أرى أحوال المجتمع في جوانب عدة تسير يميناً وشمالاً لا تدري أي الطريقين تسلك، تُغرِّب أبناءها أم تثبت على مبادئها ودينها، يجذبها إلى الشمال أناسٌ، ويجذبها إلى الاعتدال آخرون، والإعلام فوق رؤوس أهل الشمال يقول: (أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا) .
وأهل الحق فوق رؤوس الناصحين يقولون: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
ولقد وهبنا الله عقولاً ومدارك، لا نحتاج معها إلى أن نضع أيدينا في النار ونحن نرى دخانها، نرى الإعلام يُسيِّر البلاد ويلوي قراراتها ودساتيرها، ويضرب الأكف مثيراً للفتنة بين الحاكم والمحكوم، ويمضي يفت من صخرة التوحيد، وجبل الفضيلة، ويُذيب صلابة الغيرة شيئاً فشيئاً، يتعاملون مع أصول هذا البلد وثوابته تعامل الغزاة الذين يسابقون الزمن لكسر شوكته حتى لا تقوم له قائمة من ورائهم، ويقود هذه الحرب الضروس على الدين ودستور البلاد، شخص أو أشخاص معدودون، هم الحلقة المفقودة من هذا الصراع.
إلى العقلاء في هذا البلد .. أقول لكم ما قاله ابن يعمر لقومه:
يا قومُ إنّ لكمْ مِنْ عزّ أوّلكم ... إرثاً قَدَ اشفَقْتُ أنْ يودي فينقطعا
وما يَرُدُّ عليـــــــــــكم عزُّ أوَّلكم ... إنْ ضاعَ آخره أو ذَلَّ فاتّضعَا
لا تعتنوا بالأموال دون الرجال فالبلد يثبت باصطفاء الرجال أحق منه باصطفاء الأموال، لأن كل درهم يسد مكان أخيه، وما كل رجل يسد مكان رجل.
إلى أهل العلم والمعرفة ..
لا نرى من العلماء الناصحين قدراً يكفي في صد البغي على الدين والأعراض، والنصيحة إن قصرت عن مستوى ظهور الشر لا تُسمى نصيحةً تبرأ بها الذمة .
على العلماء أن يخافوا دول العلم، كما يخاف الملوك دول الملك، فالعلم ليس أعياناً توَرَّث، بل هو أقرب إلى الضياع من الملك والمال، فالإصلاح والإنكار لا يكون موزوناً حتى يكون مكافئاً للمنكر ظهوراً، ومن أعظم ما يقصر فيه العالم أن ينكر في الظلام ما ظهر في الشمس، أو يكتفي بمقولة على منبرٍ في شر طار على ألف منبر، وإذا بٌلي العالم ببطانة تُعظِّم له فعله وأثره القاصر في الناس، أو لبّس عليه الشيطان فعظّم له القاصر من إصلاحه بعرضه بين عينيه قيامه وقعوده، فيظن أنه على أذهان الناس يُعرض ذلك العرض، فهذا من أعظم أسباب تنامي المنكر، والنفوس تركن إلى إعذار متوهم.
جمع الله على هذه البلاد أمرها، ووفق الراعي والرعية أن يضعوا اليد حيث ينبغي أن توضع.
عبدالعزيز الطريفي
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ذلك "الصحوي" الذي أجهدته أثقاله
 الكاتب: محمد بن صالح الشمراني mohd@alshamrani.com

 
مازلتُ أذكر بحنين وإكبار.. حديثَ ذلك الشاب "الصحوي" العظيم، كان يحادثني بحرقة، وحمية، عيناه تُصدِّق ذلك وتُثبته، كان يُعلِّق على إحدى "المخالفات الشرعية" في بلاد الحرمين الشريفين، والتي جاءت بدعم ومباركة "عليا"، يُقسم بالله أنه لم يستطع النوم ليلة البارحة، بات حزيناً، يحترق فؤاده، ويؤرقه همه، ويتضاءل مع ذلك جسده النحيل !
جلستُ مرةً أتأملُ حالَ هذا الصديق "الصحوي"، وأحوال "شباب الصحوة" من خلفه.. أَستعرضُ تاريخهم، ومنجزاتهم، وفِعالهم، تراءيتُ كل ذلك جملةً واحدة،  فلم أتمالك نفسي حينها، ولم أشعر إلا وأنا أنحني إجلالاً وتقديراً لهم، أستغفر الله.. لم أنحنِ لهم على الحقيقة، بل كان مجرد خيال عابر، مرّ أمام ناظري سريعاً.
أُقسم ثلاثاً.. بأني أحبك أيها "الصحوي" الأنيق، أنت أنيقٌ بفكرك، وعالميتك، واهتماماتك، وهمومك، أعلم يقيناً بأنك تحمل هموماً وطموحات عظيمة، ربما هي أكبر بكثير من قدراتك البشرية المحدودة، ولكن.. كذلك هم العظماء دوماً، يَحرقون زهرة شبابهم لأجل إسعاد البشرية.
"الصحوي".. كائنٌ خرافي، بطاقةٍ عظيمة لا تنضب، ولا تنتهي، يُنشئ مشاريعَ، يبتكرها، يزور العلماء والوجهاء، يدعوهم للعمل لدين الله، ولتصحيح الأخطاء، وفي نفس الوقت.. يَنظر هذا الصحوي العظيم إلى تتابع المخالفات الشرعية من حوله، فيتألم، ويحزن، فهو يريد تحقيق مراد الله، وتحكيم شريعته "من دون نقصان" !
الصحوي؛ عالميةٌ هي أفكاره، وتطلعاته، لا يُلهيه الانتباه إلى موضع قدميه عن التفكير في أولئك القاطنين في أقاصي الدنيا، فهو لا يمل السؤال عن أحوال إخوته المهجر، يسأل عن مآلات جهادهم في أفغانستان وأخواتها، يتعاطف لأجل مُسلمة تؤذى في حجابها، يحترق لأجل إهانة مقدساته، يحزن لأجل مصائبَ أو كوارث تحل بالمسلمين هنا أو هناك، يهتم بالإصلاح في معناه الشمولي الواسع.  
يرفع "الصحوي" عينيه إلي السماء، يتفحص نجومها، يُطيل التأمل في قمرها، تلسعه المسئولية بحرارتها، وثقل وطأتها، فتذرف دمعاته، يتمنى الخير للكون كله، يتمنى أن يشاركه فيه جميع البشر، يتمنى لو خُلق بألف روح، وألف قلب، وألف جسد.. لينذرها لله وحده.

الصحوي؛ لا يتملّق سياسياً، ولا سلطاناً، ولا وطناً، ولا يلهث خلف منصب أو جاه، مرجعيته وولاؤه لدينه، لأجله يحيا، ويخاصم، ويموت، هو صاحب مبدأ راسخ، وعقيدة متجذرة، لا يزايد عليها، كل أعاديه يعرفون ذلك ولو أنكروه، أما غيره من أصحاب "الموضات الفكرية" فلربما باع كلَّ أفكاره، وكل قناعاته التي أزعجنا بها، وملأ الصفحات بتكرارها.. ربما يبيع كل ذلك بمكالمة واحدة من أحد أصحاب المعالي، لأجل سواد عينيه يتنازل عن كل شيء، قد يبيعها لأجل ذلك، أو لأجل عمود صحافي أو تصدير إعلامي !
بل.. هل تصدقون إنْ قلتُ بأن بعضهم يبيع مبادئه وأفكاره بثمنٍ بخس، من أجل رشفةٍ واحدة من "كأس فوار"، في سهرة ملونة، مع عشيقةٍ "حمراء" ملتهبة ؟!
أليس من المسلّم به أن هذا الصحوي هو الشخص الوحيد في "الساحة" الذي قدّم دماءه وجسده وماله قُرباناً بين يدي فكرته ؟ هل يحتاج ذلك إلى بيان واستدلال ؟!
ألا يكفي أن "شانئه" لا يُحسن سوى تدبيج المقالات والخطب في سبيل اصطياد هفواته، وتضخيم أخطائه ؟! يَكتبُ مقالَه المحشو حقداً وبهتاناً في وضعية "خاصة جداً"، إنه يكتب تشنيعه وتحريضه الرخيص..بنفسية رائقة للغاية، وهو ينشق نوعاً ثميناً من السجائر، وينتظره موعدٌ غرامي متجدد.. مع إحدى الغواني بعد منتصف الليل!
كلما أقرأ مثل هذا الحيف والبهتان العظيم في حقه؛ فلا أدري لماذا أتذكر فوراً أولئك المربين "الصحويين" العِظام، لا أدري ماهو الرابط بين الموضوعين! إلا أنني أتذكر أن أحدهم يقضي عمره بين الفتيان، يعلمهم دينهم، ويتفانى في تربيتهم، وتكريس الانتماء في قلوبهم، يبذل من ماله ووقته، يغيب عن أهله طويلاً، لا تكاد تستطيع ضرب موعد معه.. كلما أرى عظيماً من هذا الصنف، وأرى لحيته التي اختلط بياضها بسوادها، فإني -ولعمر الله- أخجل من نفسي، وأدعو كل شخص نالهم بسهامه أن يجرب "الخجل من نفسه" ولو قليلاً، على الأقل يجربه مرة واحدة في حياته، ويتفكر ولو برهة قصيرة قبل أن يدنس "ذاته" بيديه!
ليس ذلك فحسب، بل إن هذا الصحوي العظيم؛ فَعل الممكن وضِعفه معه، فقد ضربَ بسهمٍ في كل شيء، فقط.. قلِّب ناظريك ذات اليمين وذات الشمال، ستجد أنه ملأ الدنيا وشغل الناس، فقد أنشأ دوراً للتربية المتخصصة، نشر العقيدة الصحيحة في كل مكان، أجهز على كثير من البدع والخرافات، رسّخ التدين في قلوب الناس، نابذ بشراسةٍ كل الأفكار المستوردة، أحيا شعيرة الجهاد في سبيل الله.. حتى لا تكاد تجد "ساحة جهاد" إلا والصحوي في طليعتها يحمل سلاحه ودعوته !
كما كان في طليعة المساهمين إنشاء الهيئات التطوعية؛ الطبية منها، والإنسانية، والأخلاقية، وتنفيذ المؤسسات الاجتماعية المختلفة التي تهتم بكافة أطياف المجتمع، بدءاً بالمؤسسات المتخصصة في العناية بالأطفال، وكذلك الشباب، والفتيات، وكبار السن، مرورا بخدمة العزاب، والعوانس، والفقراء، والمرضى، وأصحاب السوابق، والمجرمين، والمساجين، .. !
ليس ذلك فحسب، بل خيره وصل إلى أصقاع الدنيا، إلى أدغال أفريقيا المظلمة، فأنارها، واستحوذ على قلوب أهلها، كما ضرب له بسهم كبير في الأنشطة المعرفية.. تأليفاً، ونشراً مرئياً، ومقروءاً، ومسموعاً.
أليس هو من ابتكر فكرة المخيمات، المهرجانات، والفعاليات الشعبية المختلفة ؟!
لقد فعل كل ما يمكنه فعله، وزيادة !
أرجوكم.. ذروني أتغنى به وحده، وأفخر به، وأقف احتراماً بين يديه.. في زمن التراجعات، وزمن الأفكار المستوردة، وموضة النقد القاسي، وجلد الذات.
إنه باختصار.. الأب الشرعي والروحي لفكرة العمل التطوعي والاجتماعي في منطقتنا !
بعد كل ذلك وأكثر، يأتي أحدهم وبكل برود، وصفاقة.. واضعاً يده على وجهه الخالي "تماماً" من الشعر والمروءة، ويزم شفتيه بتكلف ووضاعة، ويقول: ما هي إيجابيات الصحوة ؟! هؤلاء الصحويون هم أساس البلايا، ومستودع التطرف، أين هي إنجازاتهم، ومساعيهم في خدمة المجتمع ؟! لابد من اجتثاث فكرهم، وتخلفهم، و... !
صدقوني.. بأنني أحتار كثيراً في معرفة الأسلوب الأمثل الذي يجب أن يُتخذ إزاء هذه "الكائنات العجيبة"..!
فهل لديكم اقتراح فعّال، يناسب "دناءة المقام" ؟!
بعد كل هذا؛ ألم تؤمنوا لي، وتصدقوا : كم هو أنيقٌ وعظيمٌ هذا "الصحوي" ؟!
***
ثم ماذا بعد ؟!
أعرف وتعرفون.. عدداً من نقاط ضعف هذا "الصحوي"، وقصوره، وبعض الجوانب التي تأخر فيها، وربما أخفق فيها، ولكن ليس هذا موضع مثل ذلك، فأنا الآن أتغنى بروعته، وأناقته، وكبريائه النادر.. فانصرفوا راشدين!
ثم ماذا بعد.. أيضاً ؟!
أعرف وتعرفون.. أن جسد هذا "الصحوي" تنتشر فيه بعض الجراح، وبعض الخدوش، وبعض الآلام، تسببت بها فئة قليلة تجمع بين "السلطة" و "الدناءة"، تحيك له، وتوصد الأبواب دونه، وتتمنى له التعثر، والسقوط..!
ولكن.. عليهم أن يعوا جيداً بأن هذا الصحوي قد يكبو جواده، وقد تُثلم بعض أطرافه، وربما يتعثر؛ لكنه أبداً.. لا يسقط، وأبداً لا ينحني، هامته تعلو، وهمته ترتفع، والجراحُ تبقى دوماً في عينه جراحاً، وستلتئم يوماً ما، بل ستستحيل براكينَ تحرق كل من تورط فيها !
بالله عليك أيها الصحوي الأنيق، لا تقلق إن قالوا بأنك تعيش "أصعب أيامك"، أو أنك تتخندق حول عباءتك العتيقة، وتمارس دور المدافع، لا تقلق أبداً -فإنْ هم صدقوا- فمركز الدفاع ليس معيباً، بل وقف فيه حبيبك الكريم، وصحابته من خلفه، وتيقن بأنه سيأتي ذلك اليوم الذي تتخلى فيه عن "وضعية الدفاع"، وسيجيءُ لا محالةَ يومٌ تلوِّح فيه بحربتك، وتستعرض بها متبختراً في طليعة المشهد.
صدقني.. بأنه سيأتي ذلك اليوم الذي تَكتب فيه بيانك الانقلابي الأول، وتصدح بأغنيتك الصاخبة الأولى..
صدقني بأنه قريب !
فقط.. تحلّ بطول النفَس، وتربص، وانتظر.. فإنا منتظرون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق