الحمد لله ...
عندما يشاهد المرء ما يطرحه الليبراليون ومن دار في فلكهم من قضايا كثيرة في هذه الآونة الأخيرة .. يجد تأثُّرَ كثيرٍ من الناس بكثرةِ هذه المطارحات والمجادلات ... وذلك من خلالِ المطارحات المتكرّرة عبرَ وسائلَ متعدّدة .. كالفضائيات المرئية أو الصحافة المقروءة أو الإذاعة المسموعة أو عبرَ منتدياتٍ وندوات نشيطةٍ في هذا المجال ..
والمشكلة هنا ليس في كثرة الطرح والنقاش وتعدد الآراء فهذا يبقى ظاهرة صحية ..
ولكن المشكلة والتي لا ينتبه لها كثير من الناس بعامة والمثقفون خاصة .. تكمن في أمرين
أحدهما : أنها في قضايا معينة ؟!
ثانياً : هو ما المقصود بهذه المطارحات .. وماذا يقصد هؤلاء وإلى إي شيء يهدفون ؟ وما هي طريقة تناولهم لهذا القضايا ؟!!
وهذه محاولة لرصد بعض مناهجهم في طرح هذه القضايا والأمثلة على ذلك ..
أولاً : الاعتداء على ثوابت الدين .. ونقد العلماء ..
من العجب أن كثيراً من هذه المطارحات المتكرّرة هي متعلقة بأصول الدين ومسلَّماته .. ومع وجود كثير من قضايا المجتمع وحاجة الناس لمناقشتها إلا أنهم لا يلتفتون لها !!
وإن تعجَب فعجبٌ ما يظنّه أصحابُ تلك المطارحات مِن أنهم أتَوا للأمة بما لم يأتِ به الأوّلون .. وأنهم بذلك قد فاقوا السلفَ الكرام .. اغترارًا بما رأَوه من حركةٍ إعلامية تنشِّط مثل هذه المجادلات والمحاورات .. ولهذا نجدهم يسفهون العلماء وأنهم لايفقهون وهنا يكمن الخطر ..
فاها هنا ظاهرةٌ خطيرة وهي الجرأة على نقد النصوص الشرعية ومن ثم نقد العلماء بل والاستهزاء بهم ؟!! حتى صار الاستهزاء بأهل العلم منهجاُ لكثير من الكتاب .. وإذا أردت أن تعرف حجم ذلك فحاول أن تقلّب أحد الجرائد لتجد أنواعاً وألواناً من السخرية والاستهزاء وبمن ؟! .. بكبار العلماء .. ( حتى وصل الأمر بأحد الكتاب أن يشبه أحد العلماء بالوعل ؟!! ) .. إي جرأة هذه ؟!! بل إي وقاحة ؟!
ومما لاشك فيه أن هؤلاء لهم مقصد من الهجوم على العلماء .. فالعلماء هم حملة الشريعة .. فإذا سقط هؤلاء سهل إسقاط الشريعة وأوامرها وهو المقصود الأعظم للبراليين ..
ومن عظيم جرأة هؤلاء أنهم يَرسمُون للأمة ما ينبغي أن تفعل ؟!!!
فبعد هذه القرون المتطاولة التي نَعِمَ فيها أهل هذه البلاد بصفاء العقيدة ووحدة المنهج وائتلاف القلوب مع الأخذ بما ينفعُ من مظاهر الحياة المدنية؟! يأتي هؤلاء ليهدموا كل ذلك ..
ومن يكن الغرابُ له دليلاً يمرُ به على جيفِ الكلابِ
إن هؤلاء الذين تأثروا بأفكارَ غريبة شاذة يظهرونَها بمظهر النصح ..
وحقيقة قول هؤلاء أنهم يزعمون أن هذه البلاد وما كان عليه ملوكُها وعلماؤُها منذ قرون من تحكيم للشريعةِ في كلِّ الأمور تشددٌ ورجعيةٌ ..
فلا بدَّ أن تتخلى البلاد عن مرجعيتِها العلمية لأنه لا قداسةَ عندَهم لأحد والدينُ كلأٌ مباحٌ للجميع ؟!!
فلا فرق في الحواِ والرأي عندهم بين عالمٍ وجاهلٍ .. ولا بين فضيلة ورذيلة .. بلْ ولا بين ديانة وزندقة فيجبُ أن تتخلى البلاد عن محاكمها وهيئاتها وحجاب نسائِها ليتحقق الإصلاحُ الذي يريدونَ !!!
إنهم يسفّهون ويجهلون ملوكَنا وعلماءَنا السابقين الذين وضعوا ثوابت هذه البلادِ المستمدةَ من الشريعةِ ؟!!
والمشكلة الكبرى أن بعضنا يرددُ عباراتِهم ببلاهةٍ فيسمونها بغيرِ اسمِها : \"الإصلاحُ\"، أي إصلاحٍ فيمن يهدمُ أسسَ المجتمعِ وثوابتَه وعقيدتَه؟!
ثانياً : تأويل النصوص الشرعية ..
تكمن خطورة هذا الأمر في تنوِّع أساليبَ التأويل والصَّرف لمعاني النصوصِ الشرعية .. وضربِ بعضها ببعض وتقديمِ العقل .. النصّ الشرعيّ ( فدائماً تجدهم يرددون أيعقل هذا الحكم ؟!! .. وهذا الحكم غير معقول .. وهؤلاء متخلفون رجعيون ) ..
وفي الحقيقة إنما أُتي هؤلاء الذين يُدلون بهذا الطَّرح من خِلال الإعجابِ بطريقتهم .. حيث ظنّوا أنها خيرٌ من طريقة .. يضاف إلى هذا إعجابهم بالغرب وطريقته ..
وخطورة الأمر هنا أن هؤلاء سواء بقصد أو بدونه إنما يهدمون المجتمع .. بل ويزعزعون الأمن ..
فهل يعقل هذا الأمر بعضُ المعتزلة ( العقلانيون ) الجدد من أَصحاب الأقلامِ الصحفية في مثل هذه الأيام ؟!
فهؤلاء يدّعون الحرص على الوطن وهم يهدمون الأُسس الراسخة التي قام عليها هذا الوطنُ والتي جاهد في سبيلها ملوك هذه البلاد .. وجاهد من أجلها الآباء وقبلهم الأجداد حتى ماتوا .. ونشأ عليها الأبناء وبعدهم الأحفاد ..
أنهم بسخرُيتهم بأهل العلم .. وتلاعبهم بثوابت الدين والحكم وخيار الأمة .. يشتتون المجتمع .. ويفرقون الصف .. ويجرون الناس على الإنسلاح من الدين .. وينشرون الفاحشة والمنكر !!
وبهذا تقع الفتنة .. ويختل الأمن ..
وها هنا حقيقة مهمة لا تتغيير ..
وهي أنه لا أمن إلا بجماعة ودين .. ولا جماعة إلا بوجود إمام يحترم ويطاع ..
وهؤلاء يخالفون الإمام وينشرون الفساد ..
وثمة حقيقة أخرى :
وهي : هلَ حاربَ هؤلاء الإرهابَ حقًا ؟!
إذًا لماذا لم يخترْ ولاةُ الأمرِ صحفيًا واحدًا من هؤلاءِ لمناصحةِ المنحرفينَ ؟!
والمصيبة أن هؤلاء وبطرحهم المنحرف .. ودعوتهم للفساد هم سببٌ في إنحراف بعض الشباب الذين لا علم عندهم ..
يقول أحد العلماء المشاركين في مناصحة الشباب الموقفين :
\" إن كلَّ من شاركَ من طلبةِ العلمِ ـ وأنا واحد منهم ـ في مناصحةِ هؤلاءِ الشبابِ في السجونِ يعرفُ جيدًا أن من أسباب الغلو لديهم – إي الشباب - ما يقرؤُه هؤلاءِ الشبابُ بأقلامِ هؤلاءِ الصحفيينَ الذينَ يمشونَ في جنازةِ مَن قتلوه ليتاجروا في جثتهِ، فباللهِ عليكم هل يطيقُ مسلمٌ أن يطعنَ كاتبٌ بحديث نبيِهِ صلى الله عليه وسلم عنْ المرأةِ فيسميه ثقافةَ التشدّدِ، أو يقترحَ آخرُ بدلَ تغسيلِ وتكفينِ الميتِ المسلمِ أن يوضعَ في كيسٍ ويرمى كما ترمى الزّبائلُ، أو يدعوَ ثالثٌ المجتمعَ للتخلّصِ من قلبِهِ الذي يحيا به ورئتِهِ التي يتنفسُ بها وكرامتِهِ التي يطاولُ بها السحابِ حين يدعو للتخلي عن السلفيةِ أو الوهابيةِ التقليديةِ كما يلمزونَ لأنها سببُ مشاكلِ البلدِ عندَهمْ؟! مع أننا في هذه البقعةِ في العصورِ المتأخرةِ لم نشعرْ بكرامةٍ ولم يكنْ لنَا شأنٌ إلا بهذِهِ الدعوةِ وبهذا الكيانِ، واقرؤوا التأريخَ المعاصرَ لو كنتم تعقلونَ \" .
ثم يكمل فيقول لهؤلاء :
لقد أَثَرتم الغيرةَ والحقدَ والغضبَ عند هؤلاء الشبابِ فسهّلتم صيدَهم من قبلِ منظّري الفكرِ الضالِ، وإني فيمَا أعتقدُ لو كانَ الملكُ عبدُ العزيزِ رحمه اللهُ حيًا لوضَعكم في السجنِ المقابلِ لهؤلاءِ المنحرفينَ لمناصحتِكم وردِّكم عما أنتمْ عليه من انحرافٍ وضلالٍ، كيف لا وهو القائلُ رحمه اللهُ كما في كتابِ الملك الراشد (ص362) لعبد المنعم الغلامي: \"أنا عندي أمرانِ لا أتهاونُ في شيءٍ منهما ولا أتوانى في القضاءِ على من يحاولُ النيلَ منهما ولو بشعرةٍ، الأول: كلمة التوحيدِ لا إله إلا الله محمد رسول اللهِ اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، إني واللهِ وباللهِ وتاللهِ أقدّمُ دمي ودمَ أولادي وكلِّ آلِ سعودٍ فداءً لهذه الكلمةِ لا أضنُّ به\" اهـ، وهو القائل رحمه الله (ص369): \"يسموننا بالوهابيّينَ ويسمونَ مذهبَنا بالوهابي باعتبارِ أنه مذهبٌ خاصٌ، وهذا خطأٌ فاحشٌ نشأَ عن الدعاياتِ الكاذبةِ التي كان يبثُّها أهلُ الأغراضِ. نحن لسنا أصحاب مذهب جديدٍ وعقيدةٍ جديدِةٍ، فعقيدتُنا هي عقيدةُ السلفِ الصالحِ، هذه هي العقيدةُ التي قامَ شيخُ الإسلامِ محمدُ بنُ عبد الوهابِ يدعو إليها، وهذه هي عقيدتُنا، وهي عقيدةٌ مبنيةٌ على توحيدِ اللهِ عز وجل خالصةٌ من كلّ شائبةٍ منزّهةٌ عن كل بدعةٍ\" اهـ.
فماذا يريد هؤلاء ؟!!
ثالثاً : استخدام مصطلح ( تحرير المرأة ) .. والخلاف بين العلماء ؟!!
يعتبر مصطلح الحرية والتحرير من المصطلحات التي تحبها النفوس العزيزة .. فالنفس تحب الحرية وتكره الاستعباد لغير خالقها ..
إلا أن الليبراليون اتخذوا من هذا المصطلح ستاراً لترويج مقصدهم الحقيقي حين يتحدثون عن المرأة ..
ولهذا فمصطلح ( تحرير المرأة ) يعتبر من المصطلحات المزيفة .. حتى صار شعاراً للبراليين وأتباعهم في افسادهم للمرأة المسلمة .
إذ أن غايتهم ليست ( التحرير ) .. بل غايتهم ( الاستعباد ) !!
فالمرأة المسلمة لم تكن مستعبدة لغير خالقها .. فمن إي شيء يريدون تحريرها ؟!!
إنهم يريدون تحريرها من تمسكها بدينها .. والتزامها بحجابها .. حتى تكون سلعة رخيصة ينظرزن لها متى شاءوا .. ويتمنعون بجسدها .. فهذه هي الحقيقة التي يسعون للوصول إليها ..
ولهذا فمن العلامة البارزة لليبرالية هي : ( الحرية الإباحية ) .. والانغماس في الملذات ..
وإذا تاملت حال كثير ممن يسلك هذا المنهج وجدتهم منغمسون في الملذات الشهوات المحرمة ..
وهذا الكلام ليس غريباً على أحد .. ولايعتبر جديداً ..
ولكن الخوف هنا ليس من عدم معرفة هذه الحقيقة .. بل الخوف هو من اغترار كثير ممن تأثر بطرح الليبراليون وتأثر بمنهجهم ..
وذلك أنهم يظهرون في البداية أن قصدهم نفع المرأة .. وتوسيع دورها في المجتمع .. ومحاربة المتشددين ( العلماء والمصلحين .. بل حتى من يحارب أفكارهم من ولاة الأمر ) .. والأخطر أنهم يحاولون أن يبنون أنهم لا يدعون إلى سفور المرأة وتبرجها ومخالطتها للرجال .. وإنما هم فقط يريدون تحريرها من الفهم السيئ للشريعة من قبل الجهلة والمتشددين ؟!!
ولهذا فهم يدخلون من باب الخلاف .. فكشف وجه المرأة فيه خلاف .. ومخالطتها للرجال فيها خلاف .. وسفرها لوحدها فيها خلاف وهكذا .....
وربما استخدموا بعض المتطفلين على العلم لترويج هذه الأفكار ؟؟؟
وانظر للإعلام كيف يصدر من هذه طريقته ومنهجه والواقع شاهدٌ بذلك ..
ولكنهم لا يبينون وانظر للإعلام كيف يصدر من هذه طريقته ومنهجه والواقع شاهدٌ بذلك ..
أن سفور المرأة ومخالطتها للرجال وسفرها لوحدها بالصورة التي يدعون إليها مما أجمع العلماء على حرمته .. فهم يتعامون عن ذلك ويدلسون على العامة ..
والحديث مع هؤلاء قد يكون عقيماً .. لأنهم أصحاب هوى .. ومن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في اللذين أمنوا ..
- الليبرالية الإسلامية !!
ولكن الحديث يوجه إلى أولئك الذين نحسبهم ممن حسن قصدهم .. وربما أختلف الواحد معهم في مسألة فقهية .. فهؤلاء لا تثريب عليهم ..
ولكن الخوف هنا أن يسعى الواحد – مع حسن القصد وعدم حب الفساد – إلى أن يحارب مظاهر التشدد وعدم الانفتاح .. فيسلك طريقاً مهجناً من طريقة الليبراليين والإسلاميين .. وهذا ما يعرف بالليبرالية الإسلامية !! والتي بدأت جذورها في القرن التاسع عشر بعد سقوط الدولة العثمانية .. ورائدها الأول ( محمد عبده ) وتلاميذه .. وما أكثرهم اليوم ..
وعلامة هؤلاء أنهم دائماً يستشهدون بالنصوص الشرعية .. ولكنهم يفهمونها على غير مرادها .. وها هنا يكمن الخطر ويقع اللبس ويفتن المرء ..
ونحن نقول للإخوة الذين يعلمون من أنفسهم حب الخير وكره الفساد ..
احذروا هذه المسالك .. وانتبهوا لهذا الطريقة .. وانظروا ماهي النتيجة التي خرجت لنا من خلالها فيما يخص المرأة المسلمة !!
ومن تأمل في واقع المرأة في مصر وكيف أصبح .. عرف خطورة مثل هذه المسالك والمناهج ..
ومن هنا نعرف لماذا يهتم الغرب الكافر وأذنابه بمن يحمل هذا الفكر ؟
ولهذا نجد أن هؤلاء الليبراليون لايتورعون عن الاستعانة بالغرب الكافر على بلاد المسلمين .. وهم لا يجدون حرجاً من الاستعانة بالقوى الخارجية لإفساد البلاد والخروج على ولاة الأمر وزعزعة الأمن إذا كان ذلك حقق لهم مقصدهم ..
وكم كشف لنا الواقع من يتردد على السفارات الغربية !!
وانظر كيف يحرص هؤلاء على دعوة الكفار من رجال ونساء للحديث عن شأن يتعلق بالمسلمين وبلادهم ..
[ ولمعرفة طرق ترويج هذا الفكر فليراجع : كتاب حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها ص ( 450) ]
والوصية لكل من خاف لقاء ربه والوقوف بين يديه أن لا يخالط هؤلاء الناس .. وأن يحذر أن يكون اداءة بيدهم من حيث لا يشعر .. أو أن تغريه الدنيا ليبيع دينه من أجلها .. ومن قرأ التأريخ وجد هذا بيناً ..
والله المستعان ..
نسأل الله تعالى أن يحفظ بلاد المسلمين من شرهم ومكرهم وأن يوقظ من اغتر بهم وأن يحفظ بلادنا خاصة بلاد الحرمين _ المملكة العربية السعودية – منهم وأن يحفظ ولاة أمرنا وعلمائنا وأن يحفظ بهم الدين إن سميع مجيب ..
أخوكم :
عبد الله بن راضي المعيدي
المدرس بالمعهد العلمي بحائل
وعضو الجمعية الفقهية السعودية
أنشر هذا الرابط لاحرمك ربي أجر الدلالة ..
www.mettleofmuslem.net
عبد الله بن راضي المعيدي
المدرس بالمعهد العلمي بحائل
وعضو الجمعية الفقهية السعودية
أنشر هذا الرابط لاحرمك ربي أجر الدلالة ..
www.mettleofmuslem.net
|
الليبراليون الجدد .. وطرق إفسادهم للمرأة |
|
عبد الله بن راضي المعيدي الشمري |
صدمنى نبأ ما أقدمت عليه من قرارٍ مثلما صدم الملايين من المسلمين ، وبدأت بالرفض وتكرار "لا يمكن" .. "محال"، مثلما رفض ملايين المسلمين فى جميع أنحاء العالم .. وتزايدت الأصداء وانتظرت مثلما انتظر الجميع .. ثم فوجئت بأخ كريم يستعرض 44 مقالة لشيوخ أجلاء يرفضون وينصحون بأدب ، فأكثر ما قيل "بئس ما فعلت" أو "خسئت" ، وهى عبارات فى وصف هول الحدث أشبه ما تكون بحبة رمل تناطح الجبل ! وانتظرت ، مثلما انتظر الملايين ، وزاد الصمت صمتاً..
رحت استعرض مكونات المشهد .. وتحار الكلمات فى وصفه إذ فاق العبث واللا معقول : "أمير مكة المكرمة يحصل على جائزة دولية من مبرراتها : "أنه قدّم وأعطى اكثر من المطلوب منه" !؟ وهنا يقفذ التساؤل حول المطلوب ؟ فما أعطاه سمو الأمير ، أمير مكة المكرمة، هو إغلاق جميع مكاتب تحفيظ القرآن الكريم فى مكة ، أى أن المطلوب منه لا بد وأنه كان : "البدء فى إغلاقها بالتدريج" ، مثلما سبق وصدرت الأوامر بتخفيض نسبة طباعة المصحف كل عام ، تنفيذا للمقولة الجاحدة : "إقتلاع الإسلام من المنبع لإقتلاع الإرهاب من العالم".. وبدلا من أن يطيع سموه أوامر السيد الآمر، هروَل وتبارى فى تقديم ما لم يجرؤ الطالب على طلبه !
ورحت أتأمل المشهد الجديد : أمير مكة المكرمة ، ويا له من رمز ، سمو الأمير المسلم العربى الأصيل ، يتنازل عن كرامته وأصله وجذوره العريقة مرضاةً للغرب المسيحى – فما من مسلم سيطلب منه القيام بهذا الجُرم.. تنازل عن أسمى وسام يحمله : "أمير مكة" ، ليقبل بلقب الخيانة والعمالة والتبعية ، ترضية للغرب الصليبى المتعصب ، القائمة حضارته على تلال من الأكاذيب والمغالطات والفريات .. فما من إنسان قبِل بالإنسياق فى الخيانة ، أياً كان نوعها ، وسلِم منها أو من حمل وصمتها .
وتنساب الصور، صور ذلك الغرب العربيد ، الذى يعرف كيف يجد من يقبل بالخيانة ليستخدمه ثم يلقى به بأحط وسيلة ، والأمثلة ليست ببعيدة على مر التاريخ !.. فمنذ أربعة عشر قرنٍ والغرب الصليبى المتعصب يحاول محاصرة الإسلام وهو فى بداية إنتشاره ، ولم تتوقف الحروب وإن إختلفت مسمياتها ، من القرن السابع الميلادى حتى القرن الواحد والعشرين .. تتناثر الجثث وتتطاير الأشلاء وتتفحم تلالا متراصة من البشر وتتطاول ألسنة اللهب بالوانها أرضاً وبراً وبحراً لإقتلاع شعوب بأسرها ، بمختلف أنواع الأسلحة ، التى تطورت هى أيضا مع الزمن ليتم تحريمها دوليا من بشاعتها ، لكنها تنهال على رؤوس المسلمين.. وتتزايد الغطرسة الإجرامية حتى تعجز الكلمات عن وصفها..
وتنساب المشاهد .. إستولى الغرب الكنسى على التراث الإسلامى الفكرى والعلمى والفلسفى والأدبى لمدة ألف عام ، لتترجمه قساوسته السود ، مع إغفال كتابة اسماء علماء المسلمين ، ويشيّد حضارة فارعة ، قائمة على السرقة والإختلاس والتزوير، ويتزايد سعير الإستعمار قروناً متراصة ، يمتص خلالها ثروات الشعوب المسلمة ويفرض عليها إنحلاله وإنحطاطه وفجوره، فجذور الغرب الصليبى المتغطرس معروفة ، وأوصافه فى كتب التاريخ لم تُمح بعد وأكثرهم خريجو الحانات والسجون ..
ولم تعد العداوة للإسلام بخافية ، فقد أعلنها مجمع الفاتيكان الثانى بصراحة مدوية عام 1965، وحين فشل فى تنفيذ إقتلاع الإسلام وتنصير العالم حتى تبدأ الألفية الثالثة بعالم متنصر، أسند مجلس الكنائس العالمى هذه المهمة للسياسة الأمريكية فى يناير 2001 ، فسارعت بإختلاق مسرحية الحادى عشر من سبتمبر بالهدم تحت السيطرة، فى نفس ذلك العام، للتلفع بشرعية دولية لإقتلاع الإسلام والمسلمين .. وتزايد الإجرام والغطرسة فى قتل ملايين المسلمين فى فلسطين وأفغانستان والعراق و غيرها من الدول المسلمة المنهوبة المسلوبة الإرادة ببعض حكامها الذين سبق وتنازلوا، ودك أراضيها لزراعة الأفيون والمخدرات وغرس الكنائس ، وزرع حفلات الإنحلال والمجون ـ حتى سمعنا أنها طالت مكة المكرمة !..
فهل مثل هذا الغرب الصليبى الكاذب، القائم على تلال من الأكاذيب الدينية والأخلاقية والحضارية والإنسانية جدير بأن يتنازل أحد المسلمين عن كرامته ويبيعها فى سبيل الحصول على لقب الخيانة ؟!. الخيانة لصالح مَن لا يعرف حتى كيف يصون من خانوا لأجله، فيلقى بهم بأحط السبل بلا رحمة ، فهم فى نظره لا يستحقونها .. أتحدث هنا عن بيع الضمير وليس الإسلام أو القرآن ، فمهما فعل الغرب الدامى سيظل القرآن يإذن ربه محفوظا فى الصدور ..
وتنساب الذكريات .. سيدنا عمر يطالب بأن يقوّموه إذا أخطأ أو قصّر .. سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يؤكد : أفضل الجهاد كلمة حق فى وجه سلطان جائر .. ويعلمنا المولى عز وجل : الحلال بيّن والحرام بيّن .. وهنا لا يمكن لإنسان أن ينصحك أو حتى أن يطلب منك العودة إلى رشدك ودينك وحماية رمز المدينة ، فكلها أمانة فى عنقك ، وكل إنسان طائره فى عنقه ولن يُسأل سواه عن أفعاله وأعماله .
أخى فى الإسلام .. تقف الكلمات خرساء ، تعتصر ألماً ، وأنا أتساءل : ترى هل فلحت فى أن انقل إليك بعضاً مما يشعر به ملايين المسلمين من مهانة وغصب وغيرة عليك ، عليك أنت كرمزٍ يحمل فى عنقة حماية وصون مكة المكرمة ؟!
لن أطلب منك تصرف ما ، فلا يحق لى ذلك ، والأمر متروك لك ، لضميرك ولإختيارك ، فالحياة بكل ما بها هى مجرد إختيار ..
13 / 12 / 2010
إلى الشيخ خالد الفيصل ، أمير مكة المكرمة .. |
|
الدكتورة زينب عبدالعزيز أستاذة الحضارة الفرنسية |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق