حقوق المرضى يا وزير الصحة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد.
فهذا مقترح حول حقوق المرضى وواجباتهم، وقد كنت معتنياً بهذا الأمر حين كتابتي لرسالة الدكتوراه والتي كان عنوانها: "أحكام نقل أعضاء الإنسان في الفقه الإسلامي" وما تبع ذلك من بحوث علمية متعلقة بالنوازل الطبية، وما رأيته من الإخلال بحقوق المرضى، وكثير من الأطباء شاهد تعظيم حقوق المرضى أثناء دراسته في الدول التي تعنى بالحقوق، إلا أنه إذا عاد لم يستطع أن يمارس ذلك على أرض الواقع، بل إن بعض أطباء تلك البلدان إذا عمل في بلادنا، يبدأ باحترام حقوق المرضى خلال الشهر الأول، وسرعان ما يزول هذا الاهتمام، وربما كانت ورقة حقوق المرضى في مستشفياتنا لا تختلف كثيراً عن اللوحات الجمالية التي يراها المريض في ممرات المستشفى، وغرف التنويم، وأماكن الانتظار.
رجعت إلى أوراق حقوق المرضى المعلنة في المستشفيات الكبرى في المملكة؛ كالتخصصي، والحرس، والعسكري، وأرامكو، والمستشفيات الخاصة، ووزارة الصحة، وقارنتها بأنظمة حقوق المرضى المقرة في بعض الهيئات الطبية العالمية، أو المستشفيات الغربية، فوجدت أن أوراق حقوق المرضى المحلية متفاوتة، مع إغفال بعض الحقوق أو تقييدها.
فرأيت أن أكتب هذا المقترح في بيان حقوق المرضى وفق الضوابط الشرعية، رجاء أن يكون سبباً في إصلاح الواقع، وقد راجعه جمع من المختصين، راجياً أن تكون محل اهتمام وزارة الصحة والجهات المختصة، مع التنبيه إلى أن هذه الورقة مختصة بحقوق المريض داخل المستشفى أو المركز الطبي، أما الحديث عن حق المريض في أصل العلاج فله حديث آخر بإذن الله تعالى.
نص اللائحة المقترحة
حقوق المرضى وواجباتهم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد.
فإن المركز الطبي يلتزم بتقديم الرعاية الطبية التي كفلها الشرع والنظام، وحتى يتحقق للمريض الفائدة المرجوة من الخدمات الطبية، فإنه لابد من الاطلاع على حقوق المريض وواجباته.
أولاً: حقوق المريض.
1. تقديم الخدمة الطبية العلاجية والوقائية التي يحتاجها في بيئة صحية وآمنة.
2. المريض له كرامة عليا، فالهدف الرئيس لإنشاء المركز تقديم الخدمة الطبية له، فيجب احترامه وتقديره واحترام خصوصيته ومطالبه، دون إبداء أي نوع من الانزعاج أو التذمر من قبل الفريق الطبي أو الإداري.
3. معرفة المريض من طبيبه المعالج نتيجةَ التشخيص، وحالتَه الصحية، والخطةَ العلاجية، ومدته، والمضاعفاتِ المتوقعة، ونسبةَ الشفاء المتوقعة، واختيارَ المعالجة البديلة إن وجدت، كل ذلك بلغة يفهمها، وهذه المعلومات يقدمها الطبيب دون طلب من المريض، وللمريض الحق في قبول العلاج أو الرفض، وعلى الطبيب المعالج توضيح الآثار المترتبة على الرفض.
4. يحق للمريض معرفة البدائل المتاحة داخل المركز الطبي وخارجه، ويحق للمريض تغيير الطبيب الذي يشرف على علاجه.
5. يحق للمريض إذا لم يوجد الطبيب المختص في المركز أن يحال إلى مستشفى حكومي آخر يوجد فيه المختص، من خلال ورقة التحويل وتقرير الحالة من طبيبه المعالج.
6. لا يسمح للفريق الطبي بالتحدث عند المريض باللغة الانجليزية إذا كان لا يفهمها.
7. يحق للمريض معرفة الاسم والوظيفة والتخصص العام والدقيق لمقدمي الرعاية الطبية من أطباء أو ممرضين أو فنيين أو غير ذلك.
8. يحق للمريض الحصول على المواعيد المستقبلية من أجل مراجعة العيادة، وإذا جاء على غير موعد فيحق له الدخول على الطبيب في العيادة إذا وجد وقت مناسب للنظر في حالته.
9. يحق للمريض الحصول على العناية العاجلة في الحالات الطارئة حسب الأولوية التي يحددها الطبيب، وإذا لم يتمكن المركز الطبي من تقديم الإسعاف للمريض فيحق له أن يُنقل إلى إسعاف مستشفى حكومي تتوافر فيه إمكانية العناية العاجلة.
10. ملف المريض وجميع المعلومات عن مرضه وخصوصيته تعتبر من الأسرار التي لا يحق لأحد الاطلاع عليها، ولا نقلها، ولا الحديث عنها لغير المريض نفسه حتى بعد الموت.
11. يحق للمريض أن يأخذ صورة من ملفه الطبي.
12. إذا كان المريض لا يفهم لغة الطبيب فيلتزم المركز بإيجاد المترجم.
13. احترام الخصوصية الشرعية للمريض، وعلى سبيل المثال: لا يتعامل مع المريضة طبياً أو إدارياً إلا امرأة، ولا يتعامل مع المريض كذلك إلا رجل.
14. يعمل قسم علاقات المرضى على خدمة المريض، وتعريفه بحقوقه، والإجابة على استفساراته وتذليل ما يعرض أمامه من مصاعب، وتنظيم الصلة بين المريض واللجنة الشرعية في المركز.
15. يستلم المريض قبل المغادرة نموذجاً يشتمل على ثلاثة أمور: إبداء المقترحات، والاعتراض على الخدمة، وتقويم أداء العاملين، ويقوم قسم علاقات المرضى باستلام النموذج ومتابعته رسمياً، وإفادته المريض برقم وتاريخ المعاملة وما تم حيالها.
16. اللجنة الشرعية في المركز تعمل على الإجابة على أسئلة المرضى والعاملين، من خلال زيارة المكتب أو الرقم المخصص لذلك، وتقوم اللجنة بزيارة دورية للمرضى المنومين لتوضيح الأحكام الشرعية التي يحتاجونها والإجابة على أسئلتهم.
17. إذا ظهر للطبيب المعالج أن المريض لا يعرف حقوقه، فإنه يجب أن تبين له، وأن يستدعي له موظف قسم علاقة المرضى لتوضيح ما خفي عليه، ولا يحل للفريق الطبي تمرير أي مسألة حقوقية للمريض بسبب غفلة المريض، أو شدة حاجته للعلاج، أو شدة تألمه، أو كبر أو صغر سنه، أو ضعفه العقلي، أو الثقافي.
18. إذا كان ضمن الفريق المعالج متدرب، أو كان العلاج لغرض التجربة الطبية أو البحث العلمي، فيجب إخبار المريض، وله الحق في القبول أو الرفض، ولا يكفي في الموافقة التوقيع على أوراق الدخول المتضمنة الموافقة على العملية التعليمية.
19. يضمن المركز الطبي أن تقديم الشكوى من المريض أو رفضه للعملية التعليمية لن يكون له أي مساس بحقوقه.
20. لا يسمح لأي أحد في المركز الطبي أن يحجب ملف أي مريض فيمنعه من العلاج في المركز بعدما ثبت دخوله فيه إلا بقرار من مدير المركز تبين فيه الأسباب بالتفصيل، ويحصل المريض على نسخة منها، وللمريض حينها الحق في التظلم إلى الشؤون الصحية، ثم إلى الجهات القضائية المختصة.
21. يحق للمريض الحصول على تقرير طبي عن حالته باللغتين العربية والانجليزية خلال أسبوع من طلبه، وأن يتم فيه توضيح ما طلبه المريض عن حالته، وإذا كانت الحالة تستدعي تقريراً عاجلا فيعجل التقرير في اليوم الأول من الطلب قدر المستطاع.
واجبات المريض:
1. التزام المريض ومن بصحبته بالأحكام والآداب الشرعية، والالتزام بأنظمة المركز الطبي، والمواعيد، والإرشادات المتعلقة بالعلاج من قبل الطاقم الطبي.
2. على المريض إفادة الطبيب المعالج بالتاريخ المرضي، والمعلومات الدقيقة عن مرضه الحالي، والأمراض المزمنة الأخرى إذا كان مصاباً بها، والأدوية التي يتناولها.
3. احترام الأولوية التي تعطى للحالات الطارئة.
4. إتباع إرشادات مبادئ السلامة، ومكافحة العدوى.
5. مراعاة المرضى الآخرين، وعدم الإزعاج، أو التدخين داخل المركز.
6. احترام جميع العاملين بالمركز الصحي والحفاظ على ممتلكات المنشأة الصحية.
7. قسم النساء منفصل عن قسم الرجال، وعليه فإنه يمنع المريض الرجل الدخول أو التحويل إلى قسم النساء، وكذلك تمنع المريضة من الدخول أو التحويل إلى قسم الرجال.
أخي المريض إذا أشكل عليك شيء في فهم أو تطبيق شيء من هذه الحقوق أو الواجبات فلا تتردد في الاتصال بعلاقات المرضى حتى تتم خدمتك.
وبهذا تنتهي الورقة المقترحة وبالله التوفيق
أعده: د.يوسف بن عبدالله الأحمد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام
الخميس 23/ 2/ 1432هـ...........................
مكانة العلماء بين التطاول والتخاذل
روى الإمام الذهبي في السير أن الخليفة هارون الرشيد قدم الرِّقة ، فانجفل الناس خلف عبد الله المبارك وتقطعت النعال وارتفعت الغبرة ، فأشرفت أم ولد للخليفة من برج في قصر الخشب ، فقالت : ما هذا ؟ قالوا : عالم من أهل خراسان ، قدم ، قالت : هذا ولله الملك ، لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشُرَطٍ وأعوان !!
نعم إنهم العلماء ورثة الأنبياء الذين لهم المكانة العلية والصورة البهية والمنزلة الرفيعة في قلوب الخلق ، لم ينالوها بمناصب إدارية أو رتب وظيفية أو مراكز اجتماعية ، وإنما بما وهبهم الله من فضل وعلم وقبول ، بل إن بقائهم وحياتهم خير للعباد والبلاد قال الله تعالى : {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد:41] ، قال ابن عباس رضي الله عنه : " أي خرابها بموت فقهائها وعلمائها وأهل الخير منها " وقال مجاهد رحمه الله : " هو موت العلماء " ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» متفق عليه .
فالعلماء هم العارفون بشرع الله ، الراسخون فيه ، المتفقهون في دينه ، العاملون بعلمهم على هدى وبصيرة ، الذين وهبهم الله الحكمة «وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا» [البقرة : 269]
ولهم أمارات ورسوم يعرفون بها عن غيرهم ؛ كالعلم الذي هو فقه كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وبرسوخ أقدامهم في مواطن الشبه ؛ حيث تزيغ الأفهام وتميل القلوب المريضة قال تعالى : {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} آل عمران : 7 ، وبنسكهم وخشيتهم لله قال الله : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر : 28] ، قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمة الله : " ومن له في الأمة لسان صدق عام بحيث يثنى عليه ويحمد في جماهير أجناس الأمة ، فهؤلاء أئمة الهدى ومصابيح الدجى " ، ولهذا نعتهم إمام أهل السنة المبجل أحمد بن حنبل بقوله : " الحمد لله الذي جعل في وقت كل فترة من الرسل بقايا من أهل العلم ؛ ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ويدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، فكم من ضال قد هدوه ، وكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم " .
إن مما ابتلينا به في هذه الأيام : التطاول على العلماء ، والنيل منهم ، والقدح فيهم ، وتخطئيهم بغير علم ، وعدم احترامهم وتقديرهم ورعاية منزلتهم من قبل فئام من الناس بدعوى حرية الرأي ، أو بحجة الرأي والرأي الآخر ، أو كل يؤخذ من قوله ويرد وغير ذلك من الشعارات والدعاوى .
إن النيل من العلماء والقدح فيهم سبيل من سبل أهل الزيغ والضلال والنفاق ، لأن الطعن فيهم ليس طعنا في ذواتهم ؛ وإنما هو طعن فيما يحملونه من دين وعلم ينتسبون إليه .
ولما فقه السلف هذا المعنى جعلوا منتقص الصحابة زنديقاً وذلك لما يؤول إليه قوله من الطعن في الدين قال أبو زرعه رحمه الله : " إذا رأيت الرجل يتنقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلم أنه زنديق " ، وكذلك قالوا فمن طعن في علماء التابعين ومن بعدهم ؛ قال الإمام أحمد رحمة الله : " إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمه فاتهمه على الإسلام فإنه كان شديداً على المبتدعة " ، وقال يحي بن معين رحمه الله : " إذا رأيت الرجل يتكلم في حماد بن سلمه وعكرمة مولى ابن عباس فاتهمه على الإسلام " .
وهذا محمول على الكلام في العالم بهوى وجهل .
نعم نحن لا ندعي العصمة لهم ولكن العالم لا يحمل فلسفات نظرية أو مقالات فكرية قابلة للأخذ العطاء وإنما يحمل نصوصاً شرعية ذات دلالات ومعاني لا يفقهها إلا من وهبه الله نعمة العلم {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل :43] ، فإن كان ثمة استدراك أو تعقيب عليهم ، أو بيان لمسلك خاطئ وقعوا فيه فإنما يكون من الكفء لهم والأهل لمثلهم قال الشاطبي رحمه الله - في معرض حديثه عن من يميز الأقوال – " إنه من وظائف المجتهدين ، فهم العارفون بما وافق أو خالف ، وأما غيرهم ، فلا تمييز لهم في هذا المقام " .
قال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله " حق على العاقل أن لا يستخف بثلاثة : العلماء ، والسلاطين ، والإخوان ، فإنه من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ، ومن استخف بالسلطان ذهبت دنياه ، ومن استخف بالإخوان ذهبت مرؤته " .
إن ظاهرة التطاول على العلماء ظاهرة خطيرة تستحق الوقوف ضدها بكل حزم وعقل ، وذلك لأن مآلاتها قدح في الدين ونيل منه وتقليل من هيبته وهيمنته ، وإذا فسد الدين فسدت مصالح الناس ومعاشاتهم ، وتجرأ أعداء الملة وتسلطوا وهم الذين وصفهم الرب بقوله : {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} [التوبة : 10] .
إن الذين اتخذوا من أقلامهم ومنابرهم وسيلة للنيل والقدح والتجريح للعلماء ، ليقومون بعمل مشين فيه خيانة للأمة وإعانة على انحدارها وسقوطها ، وجرها لصراعات وويلات ، وإعاقة لتحقيق مقصد العبودية في الأرض والاستخلاف فيها .
فالواجب عليهم وعلى كل مسلم هو احترام العلماء وتقديرهم وموالاتهم والصدور عن رأيهم ونصرتهم ليس لذواتهم ولكن لعلمهم وفضلهم فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن من إجلال الله تعالى : إكرام ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه ، وإكرام ذي السلطان المقسط» رواه أبو داود ، قال طاووس بن كيسان رحمه الله : " من السنة أن يوقر أربعة : العالم ، وذو الشيبة ، والسلطان ، والوالد " .
إن حملة التشويه والنيل من بعض علمائنا لتستوجب من المسلمين عموماً ، النصرة ، وعدم التخاذل ، والأخذ على يدي السفيه ورد الأمور إلى نصابها قبل أن يقع الفأس في الرأس ويتسع الخرق على الراقع فتصبح البلاد من الأخلاق بلاقع .
ولا أدل على ذلك ما وقع لبعض أهل العلم كالشيخ سعد الشثري لمجرد أنه عبر عن رأي يدين الله به ، وما وقع للشيخ محمد المنجد حينما نقل فتوى أهل العلم وكلام العلماء المعتبرين في حادثة عين يعتبر فيها فقه الموازنات ، وما وقع للشيخ محمد العريفي حينما نعت من يسب الصحابة وينتقص القرآن بوصف يليق به في سياق الدفاع عن هجمة المعتدين على حدود وطننا المبارك ، وما وقع للشيخ يوسف القرضاوي من افتراء وقدح ونيل .
ولكن أقول لهؤلاء الأجلاء وغيرهم من العلماء الفضلاء ما قاله الكرابيسي رحمه الله عن الإمام أحمد : " مثل الذين يذكرون الإمام أحمد بن حنبل ؛ مثل قوم يجيئون إلى أبي قبيس يريدون أن يهدموه بنعالهم " .
وأقول لعامة إخواني من المسلمين ما قاله الحافظ بن عساكر رحمه الله : " اعلم أن لحوم العلماء رحمهم الله مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم ، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم ، والاختلاف على من اختاره الله منهم لنشر العلم خلق ذميم " ، وبمقالة الآخر : " من تكلم في العلماء بالثلب ؛ ابتلاه الله قبل موته بموت القلب " .أما نصرة أهل العلم بعضهم لبعض فهي طريقة السلف ، والواجب المتحتم والفرض المتأكد ، صيانة للدين وحفظاً لمقام العلم ، مع التحلي بأخلاق الكبار ، واطراح الحظ وتجريد النية ، وإدراكاً للعاقبة والمآل ، قال ابن قيم الجوزية عليه رحمات رب البرية : " ما رأيت أحدا قط أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ، وكان بعض أصحابه الأكابر يقول : (وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه) ، وما رأيته يدعو على أحد منهم قط ، وكان يدعو لهم ، وجئت يوما مبشرا له بموت أكبر أعدائه وأشدهم عداوة وأذى له ، فنهرني وتنكر لي واسترجع ، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم وقال : إني لكم مكانه ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه ونحو هذا من الكلام فسروا به ودعوا له وعظموا هذه الحال منه !! "
كتبه / د. عبد العزيز بن سعود عرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق