- د. حلمي القاعود: الحكومة تدعم احتكار التيار العلماني للثقافة
- الشاعر محمد جودة: المخصصات المالية الموجهة للأدب هزيلة
- د. إبراهيم عوض: الحكومة تُكرِّم مَن يخلع عن نفسه صفة الإسلام
- د. يوسف نوفل: جوائز الدولة تفتقد الموضوعية وليس لها معايير
- د. النبوي شعلان: الميل إلى العظام النخرة وتجاهل التجديد الثقافي
- د. خالد فهمي: تَقَدُّم الثقافة الإسلامية في مواجهة التيار العلماني
تحقيق: أحمد الجندي ومي جابر
شهد عام 2010م موجةً من الأحداث الثقافية الهامَّة، كان أهمها تقدُّم الثقافة الإسلامية، ومقاومة المثقفين الإسلاميين عملية الاستلاب العقلي والانحدار الثقافي التي عاشتها الأمة الإسلامية والعربية خلال العقود السابقة؛ بسبب مساعدة الحكومات التيار العلماني على احتكار الثقافة العربية، ونشر قيم مغايرة لقيم المجتمع العربي المسلم الحقيقة في المجتمع، من خلال تمكينها لهم من النشر والطباعة ورعايتها لمنتجاتهم الفكرية المسمومة، في مقابل تحجيم دور المثقفين الإسلاميين ومحاربتهم، ومنعهم من التواصل الفكري مع الجماهير.
ومن أهم دلائل تقدُّم الثقافة الإسلامية في مواجهة العلمانيين ما شهده العام 2010م من تكريم رموز الفكر الإسلامي، أمثال الدكتور محمد عمارة، وجابر قميحة، وتكريم عددٍ من شعراء الفكرة الإسلامية، أمثال الشاعر محمد حافظ، وأحمد حسن محمد، فضلاً عن الحدث الثقافي المهم، وهو إحياء مئوية الأديب الإسلامي الراحل الكبير علي أحمد باكثير.
|
د. حلمي محمد القاعود |
يقول الدكتور حلمي محمد القاعود: إن أهم الأحداث الثقافية عام 2010م هو مقاومة الأمة لعملية الاستلاب العقلي للأمة في المجال الثقافي في العقود الأخيرة، بإعادة الأديب الكبير علي أحمد باكثير إلى ساحة الأدب من خلال الاحتفال بمئويته في القاهرة وفي مدينة سيئون بحضرموت في اليمن.
ويوضح أن الأمة تسلَّطَ عليها تيار يكره الإسلام والعروبة والوطنية، وجعل في مقدمة أهدافه وغاياته إطفاء نور الإسلام في الكتابة العربية المعاصرة، ومحاصرة الأدباء الذين يؤمنون بالإسلام والعروبة، وحرمانهم من النشر والتواصل مع القراء، واحتكار الحياة الثقافية لحساب فئة ضالة لا تؤمن بالإسلام، ولا تؤمن بالإسلام بصفة عامة.
ويشير إلى أن إحياء ذكرى الأديب الكبير علي أحمد باكثير، واحتشاد عددٍ كبيرٍ من الأساتذة والباحثين والمتخصصين، ومتابعة وسائل الإعلام الرسمي والخاص لهذه المناسبة، أعاد للعقل العربي المسلم تألقه من جديد.
وحول الجوائز في 2010م يقول: إنها ليست موضوعية، وينالها الأشخاص الذين ينفذون رغبات بعض الجهات وأهدافها، موضحًا أن هذه الأهداف لا علاقة لها بالوطنية ولا العروبة ولا الإسلام، إنما تؤسس لثقافة غريبة عن الأمة، تعكس قيمًا مخالفة لقيم المجتمع، فضلاً عن أنها جوائز مريبة؛ لأن أصحابها لا يمتلكون القدرة الفنية.
وينتقد تعامل وسائل الإعلام التي يقع معظمها تحت سيطرة تيار يكره الثقافة الحقيقية ويروج لثقافات وأفكار معينة مناقضة لثقافتنا العربية الإسلامية، بالإضافة إلى أن الذين يقومون بعملية الإنتاج الإعلامي في المجال الثقافي ليست لديهم خلفية واضحة عن الثقافة الحقيقية، ولا يميزون بين الثقافة الحقيقية والثقافة الغريبة، موضحًا أن هذا يعني الإنتاج الإعلامي في المجال الثقافي هو نتاج ضحل لا يعني بمشاكل الأمة واهتماماتها؛ لأن الإعلام الثقافي الحالي يُظْهِرُ النماذج الهشة والضعيفة، ويغيب العناصر الجيدة والقوية.
ويضيف أن مجال النشر لا يزال على المنحدر الثقافي، فالذين ينشرون ويكتبون ويُسْمَح لهم بعرض إنتاجهم الثقافي هم من أولئك المنتمين لهذا التيار الثقافي المحتكر للحياة الثقافية، معتبرا اقتصار الحركة الثقافية على تيار واحد وتغييب تيارات أخرى هي أساس الثقافة الحقيقية يعد كارثة كبرى تهدد الثقافة العربية.
انحدار ثقافي
|
د. إبراهيم عوض |
ويقول الدكتور إبراهيم عوض، الأستاذ بكلية الآداب جامعة عين شمس: إن عام 2010م شهد أسوأ الأحداث في عالم الثقافة، التي تسير إلى المزيد من الانحدار، مبينًا أن 2010م هو استمرار لحالة الركود الثقافي الذي بدأته الحكومة المصرية منذ سنوات طويلة، فلا يوجد سوى أحداث رسمية اعتيادية لا قيمة لها في الارتقاء بثقافة الجماهير المصرية.
ويتابع قائلاً: "لم نر خلال هذا العام أي إبداع ثقافي، كما أن أعداد الكتب الصادرة قليلة جدًّا في العالم العربي، بالإضافة إلى أن الإصدارات القيِّمة منها لا تنال الاهتمام المطلوب".
ويستنكر ما شهدته الساحة الثقافية من تكريم مَن لا يمتلكون أية قدرة على الإبداع الثقافي وحصولهم على جوائز الدولة، مؤكدًا أن وزارة الثقافة أثبتت أنها تكافئ مَن يحاول أن يخلع عن نفسه صفة الإسلامية، ويعادي الإسلام في كتاباته بعيدًا عن التقييم الأدبي والفني لأعماله.
ويتساءل كيف يحصل مَن لا يستطيعون كتابة جملة عربية سليمة على جوائز الدولة التقديرية، ووضعهم مع عباس العقاد، وطه حسين، ونجيب محفوظ في سلة واحدة، بينما يتم إقصاء أدباء آخرين، ليس لسبب سوى انتماءاتهم الإسلامية؟!
الثقافة مغيبة
|
د. يوسف نوفل |
ويشير الدكتور يوسف نوفل، أستاذ الأدب والنقد بجامعة عين شمس، إلى أن الأحداث الثقافية الشعبية كانت أكثر فعالية من الأحداث الرسمية الحكومية، مرجعًا ذلك إلى عدم إدراج الثقافة في خطط إستراتيجية بعيدة المدى، وخطط تكتيكية قصيرة المدى، وإنما خاضعة لخواطر وعلاقات شخصية، وهو ما ظهر جليًّا خلال توزيع الجوائز الأدبية.
ويضيف أن الجوائز التي تمنحها الهيئات والمؤسسات الشعبية اتسمت بأنها أكثر انضباطًا ودقة وموضوعية من مثيلاتها التي تمنح من الهيئات الحكومية، مؤكدًا أن جائزة الدولة التقديرية والتشجيعية وجائزة التفوق في مجال الآداب أثارت جدلاً واسعًا بين المثقفين المصريين لغياب الموضوعية ومعايير الاختيار.
ويوضح أن معرض الكتاب 2010م شهد خللاً كبيرًا في التخطيط والتنفيذ له، رغم ما يمتلكه من سمعة دولية يمكن استغلالها، مشدِّدًا على أهمية إعادة النظر في الفقرات والبرامج والمحاضرات التي يقدمها المعرض للزوار بعد أن أثبتت فشلها في السنوات الماضية لمعالجة هذا الخلل.
ويرى أن حادث سرقة لوحة "الخشخاش" في أغسطس الماضي كشف الإهمال الذي تعاني منه المتاحف المصرية، مشيرًا أن هناك خطرًا يلاحق الآثار المصرية، خاصة المخطوطات الإسلامية النادرة التي لا يوجد لها مثيل في العالم.
مطالبًا وزارة الثقافة بتوفير ربع نفقات "الفشخرة الكذابة" التي نشاهدها خلال المهرجانات الفنية، سواء كانت للسينما أو المسرح أو الرقص؛ لتوفير الحماية اللازمة للآثار النادرة التي تمثل الثروة الحقيقية للمصريين.
عزازيل والنبطي ويقول الدكتور النبوي شعلان، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر: إن أفضل الإبداعات الأدبية التي حدثت في 2010م هي رواية عزازيل والنبطي للدكتور يوسف زيدان، أما بقية الأشياء فهي تَلَفُّتٌ إلى الخلف، فنحن دائمًا ما نحتفل بنجيب محفوظ الذي تنبَّأ له الشهيد سيد قطب بحصوله على جائزة نوبل، ولا نجد ناقدًا يقول إن فلانًا مؤهل إلى الحصول على جائزة كذا، منتقدًا الاحتفال بقدماء المصريين ولا نحتفل بأحد من المعاصرين، فنحن نميل إلى العظام النخرة، على حدِّ تعبيره.
وحول قول بعض الروائيين في ملتقى الرواية العربية الأخير بالقاهرة إن الشعر لم يعد منافسًا للرواية العربية؛ لأن الرواية أصبحت تحمل بداخلها الشعر يقول: إن الشعر العربي لن يموت أبدًا، فعندما ننظر إلى تلك الفترة التي سبقت ظهور محمود سامي البارودي، نجد أن الناس كانوا يظنون أن الشعر قد اغتالته المحسنات البديعية، وبعد ذلك ظهر البارودي، ومن بعده أحمد شوقي، وبُعِث الشعر العربي مِن جديد، فمن رحم هذا الضعف وُلِد هؤلاء المبدعون.
|
د. خالد فهمي |
تقدم الثقافة الإسلامية ويرى الدكتور خالد فهمي، أستاذ علم اللغة بجامعة المنوفية، أن هذا العام يتسم بظاهرتين أساسيتين، الأولى هي استمرار تقدُّم الثقافة الإسلامية وبروز الكثير من رموزها، وفي المقابل استمر توحش الثقافة العلمانية في المجتمع المصري وسيطرتها على الهيئات الرسمية الحكومية. ويوضح أن مِن أبرز الايجابيات التي شاهدناها خلال هذا العام بزوغ نجم العديد من الأسماء الأدبية الإسلامية، مثل: محمد حافظ الذي حصل على جائزة الشاعر الكبير محمد التهامي، بالإضافة إلى افتتاح العديد من الصالونات للمفكرين والمثقفين الإسلاميين، ومنهم على سبيل المثال الدكتور سعيد إسماعيل علي التربوي المعروف، كما شهدت تنامي المنتديات الأدبية والفكرية المنتمية للفكرة الإسلامية. ويستطرد: "كما انتشرت فعاليات الاحتفال برموز الفكر الإسلامي، فكان الاحتفال بكلٍّ من الدكتور محمد عمارة، والدكتور جابر قميحة، والمستشار طارق البشري، والدكتور الراحل أحمد العسال، وهذا ما يؤكد الحضور الثقافي للرموز الإسلامية، والتي لا يقابلها نفس الاهتمام بتكريم رموز الثقافة العلمانية". ويوضح أن المؤلفات الإسلامية تصدَّرَت الكتب الأعلى مبيعًا وانتشارًا بين القراء؛ ما يؤكد ارتفاع شعبيتها في مواجهة الثقافة العلمانية، مضيفًا أن ذلك يثبت أن محاولات حصار المثقفين الإسلاميين والتضييق عليهم تبوء دائمًا بالفشل. ويقول إن الساحة الثقافية ودَّعت عددًا من أعلام الحركة الثقافية الإسلامية، مثل: الدكتور عبده الراجحي عضو مجمع اللغة العربية، والدكتور أحمد العسال، وعز الدين إبراهيم، بالإضافة إلى رحيل أكبر القامات الثقافية العربية والإسلامية الدكتور عبد الصبور شاهين، معتبرًا ذلك الحدث الأسوأ خلال هذا العام.
وعلى جانب آخر، يشير إلى توغل المثقفين العلمانيين في المؤسسة الحكومية؛ حيث ظهر ذلك من خلال اعتراض بعض المثقفين على قرار وزير الثقافة فاروق حسني إنشاء لجنة دينية بالوزارة، مدَّعين أنه يداعب الإرهابيين؛ ما أدَّى إلى إجهاض المشروع، مضيفًا أن بداية 2010م واجه دعاوى العلمانيين بإلغاء موسم الحج تحت مزاعم انتشار إنفلونزا الخنازير.
وينتقد إخفاق مصر في الحصول على جوائز من العديد من الفعاليات العربية الهامة، مثل جائزة فيصل الإسلامية، وجائزة دبي للترجمة، وهو ما يرجع إلى العديد من العوامل منها ما يتعلق بالأوضاع السياسية السيئة التي تعيشها البلاد. ضعف المخصصات ويقول الشاعر محمد جودة: إن أهم الأحداث الثقافية في 2010م مؤتمر أدباء الأقاليم، ومؤتمر الأدباء العام، وتكريم الشاعر يوسف أبو القاسم الشريف، وحصول الشاعر محمد حافظ على جائزة الشاعر الكبير محمد التهامي، وحصول الشاعر أحمد حسن محمد على جائزة عبد العزيز سعود البطين وهي أكبر جائزة تُمنح في الأدب. ويضيف أن المعرض المصري للكتاب من أبرز الأحداث الثقافية؛ حيث يُعتبر موسمًا ثقافيًّا كبيرًا تقام فيه الكثير من الندوات والأدوات الأدبية، وخيمة الإبداع وعكاظ الشعر، وتجري فيه دراسات نقدية لأحدث الإصدارات المعروضة فيه من شعر ورواية وقصة وغيرها، فهو يعتبر نافذةً لكلِّ المبدعين في مصر. ويشير إلى أن أغلب الأحداث الثقافية في 2010م انتابها شيء من البرود والفتور، ولا يوجد تبني واضح من الدولة للأحداث الثقافية، مشيرًا إلى أن جُلَّ الاهتمام كان مُنْصَبًّا على الانتخابات البرلمانية التي شغلت الدولة، فضلاً عن قصور رعاية الدولة للأدب حتى في قصور الثقافة. ويضيف أن الميزانيات المخصصة للأدب في وزارة الثقافة، لا ترتقي للمستوى المطلوب، ولا تكفي للطباعة والنشر، ولا لتنظيم المؤتمرات والندوات والفعاليات التي تُثْرِي الحياة الأدبية في مصر، فضلاً عن ضعف ميزانيات نوادي الأدب، وعدم الاهتمام بالأدباء ورعايتهم من الدولة، وهو ما يجعلهم ينصرفون عن الإبداع، وينخرطون في البحث عن "لقمة العيش" في ظلِّ الجو الثقافي السيئ الذي لا يهتم بهم. ويضيف أن ضعف المخصصات المالية يؤدِّي إلى منع إقامة العديد من الفعاليات الثقافية، وإعقام النشر والطباعة، وعدم صدور مطبوعات جديدة تُعْقَد عليها مناقشات ودراسات وتقييمات، وهو ما يصنع أدباء جددًا، ويشجع على الإبداع والتأليف؛ لإثراء الحياة الأدبية، مشيرًا إلى أن عدم طباعة ونشر الإبداعات الأدبية بمختلف أنواعها، وجعلها حبيسة الأدراج يصيب المبدعين من الأدباء والشعراء والكتاب بحالة من الإحباط تدفع إلى الإحجام عن الكتابة والتأليف. وينتقد الاضمحلال الإعلامي الذي أصاب الإعلام الثقافي في مصر الذي جعل الإصدارات الأدبية إصدارات صفوية لا تصدر لعامة الناس أو حتى لعامة الأدباء، فأصبح لا يقرأها إلا قلة قليلة من الصفوة المثقفة، ولا يكتب فيها إلا قلة من الأدباء والكتاب، موضحًا أنه لا ينشر في المجلات على صعيد الشعر سوى قصيدة الحداثة، والقصيدة الغامضة التي لا يفهمها عامة المثقفين؛ ما أدَّى إلى إحجام الكثيرين عن شرائها. ويستطرد أن هناك قطيعةً بين هذه الإصدارات الأدبية وبين المُتَلَقِّي؛ لأن النشر فيها يكون لاتجاه معين، ولا تتناول قضايا مهمة ولا قضايا الأمة التي تهم عموم المواطنين. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق