***أزمات التيار الليبرالي في السعودية***
* **
*يلحظ المراقب للحالة الفكرية في الداخل السعودي نشاطا مكثفا للتيار الليبرالي, فقد أخد بكل ما أوتيه من قوة يعرض نفسه للناس في محافل كثيرة, ويبدو بأصوات متعددة, ويظهر في أشكال مختلفة, باحثا بكل ذلك عن موطئ قدم يبني عليه مشروعه الفكري والاجتماعي .*
***
*وقد تناول عدد من المثقفين مخرجات التيار الليبرالي بالتوصيف والتمحيص والنقد, وجاء هذا المقال ليتناوله من جهة معرفية بحتة , وليحاكمه إلى الشروط التي يجب توفرها في كل مشروع ناضج منتِج , وليقارنه بالمشاريع التي استطاعت أن تقدم للمجتمعات حلولا حقيقية تخرجها مما تعانيه من أزمات , وتعيشه من إشكاليات .*
***
*وإذا حاول المراقب أن يتعاطى مع التيار اللبيرالي السعودي بهدوء وأن يتعامل مع منتجه الفكري والثقافي بمهنية في التحليل وإتقان في التوصيف .. ليتعرف على مقدار ما يمتلكه من مؤهلات معرفية وفكرية وسلوكية تؤهله للعيش والنمو في الحالة السعودية .. سيخلص منذ المرحلة الأولى من التحليل إلى نتيجة مفادها : أن التيار الليبرالي يعاني من أعراض مرضية حادة تحول بينه وبين أن يكون مشروعا رائدا أو مخلصا أو ملبيا لحاجيات العقل الواعي الذي يميل إلى الانضباط في الاستدلال والعمق في التحليل والاتساق مع المبادئ واحترام القيم وتعظيم التمسك بها .*
***
*فالمراقب الواعي إذا تجول في مخرجات التيار الليبرالي وسار في جنباته ووقف على أبرز محطاته التي برز فيها للعيان, وسلط الأضواء على مرتكزاته المعرفية, تصيبه الدهشة بسبب ما يراه من الفقر الشديد في مؤهلات النمو الصحي , وبسبب ما يلحظه من الهشاشة الكبيرة في مرتكزات شرعية وجوده في الساحة الفكرية .*
***
*وسيكتشف أن الليبرالية السعودية تعاني من أزمة فكرية ومنهجية عميقة , أزمة في المصطلح، وأزمة في الخلفيات الفلسفية، وأزمة في السلوكيات اليومية، وأزمة في الالتزام بالقيم، وأزمة في الاتساق مع المبادئ , وأزمة في الاطراد، وأزمة في التوافق بين أسس الليبرالية وبين قطعيات الشريعة الإسلامية .*
***
*وقد استفحلت تلك الأعراض حتى وصلت إلى حالة مهكلة خرجت عن السيطرة, وتسببت في إنهاك جسده ووصوله إلى حالة مرضية خطيرة , وأضحت تلك الأعراض معوقات حقيقية للحيلولة دون نموه بشكل صحي .*
***
*وحتى لا تكون هذه النتيجة مخالفة للواقع , أو متصفة بالاستعجال والتهور , أوالتسرع في استخلاص النتائج , فإنا سنبرز أعقد تلك الأزمات التي اتصف بها التيار الليبرالي , وتسببت في تشوه صورته وتعرقل مسيرته , وسنمارس معها التحليل المنبسط والتفكيك المسترسل والهادئ حتى نتحقق من صدق تلك النتيجة .*
***
الأزمة الأولى : إشكالية التأسيس :*
*تبدى التيار الليبرالي وهو يحمل اسما نشأ في بيئة مختلفة وتربى في محاضن فكرية مغايرة , ومع هذا فهو يعاني في أصله من اضطراب وقلق في انضباط مفهومه , ومصاب بغموض شديد في تحديد مقصوده , ومشبع بمضامين فكرية وفلسفية تتقاطع مع الإسلام تقاطعا ظاهرا.*
***
*فليس خافيا على أحد المثقفين أن الليبرالية نشأت أول ما نشأت في الفكر الغربي تحت ظروف فكرية واجتماعية محددة وفي أحوال دينية خاصة , وقد تضمنت في حالتها الغربية مبادئ أساسية لا تنفصل عنها , كمبدأ الحرية المطلقة ومبدأ الفردية ومبدأ العقلانية , حتى غدت من المتلازمات في ذهنية القارئ .*
***
*وهي بهذه المبادئ تتضمن القول بنسبية الحقيقة وتدعو إلى العلمانية وفصل الدين عن الحياة السياسية والاقتصادية وغيرها , وتقرر المساواة بين الأديان وحرية التنقل بينها , وتسمح بحرية مزاولة المحرمات القطعية في الشريعة , وتقطع الأخلاق والمبادئ عن الأساسات المرجعية لها سواء الدينية أو غيرها , وأن الحرية المطلقة هي المبدأ والمنتهى والباعث والهدف والأصل والنتيجة في حياة الإنسان .*
***
*ولما كانت الليبرالية الغربية بهذه الصورة حدث انفصام نكد في التيار الليبرالي السعودي, فقد انقسم في موقفه من حالة الليبرالية الغربية إلى قسمين ظاهرين :*
***
*القسم الأول : من لم يبد الإنكار لتلك المضامين , وقرر ما تقوله الليبرالية الغربية من أنها الانفلات المطلق والحرية الكاملة ,والتحرر من كل قيد , وكرر بعض منتجاتها , كالقول بنسبية الحقيقة وتاريخية الأحكام الشرعية , والانفتاح الكلي لدلالات النصوص وقابليتها لكل التأويلات .*
***
وفي ضمن هذا القسم ظهرت لنا الليبرالية في مظاهر شاذة جدا , ومقالات شنيعة , وصلت إلى درجة إنكار وجود الإله , والاستخفاف بالنبي والاستهزاء الفاضح بالإسلام ووصفه بكل ذميمه , كل هذا ظهر تحت مسمى "شبكة الليبرالية السعودية " .
***
*القسم الثاني : من ادعى الخصوصية السعودية في مفهوم الليبرالية، وأخذ يقول بأن الليبرالية السعودية تتميز عن غيرها في كل شيء, حتى في المفهوم نفسه, ورفعوا شعار" الليبرالية السعودية ليس كمثلها ليبرالية" .*
*فقد أدرك هذا القسم فظاعة ما تؤدي إليه الليبرالية في نسختها الغربية الأصلية من مناقضة للإسلام وأصوله, فاضطر إلى أن يمارس نوعا من التهذيب ويجري عمليات تجميلية عديدة؛ حتى يتخلص من الموروث الغربي لها, ويتوصل إلى نسخة مخففة جدا, فأبقى على المبادئ الأساسية لليبرالية, وأخذ يبحث عما يمكن أن يوافقها في النصوص الشرعية, وغدونا نسمع بأن الليبرالية تعد من صميم الإسلام؛ لأن الإسلام يحفظ للفرد حريته ويحترم له علقه .*
***
*وهذه العمليات التجميلية للمنتجات الغربية ليست جديدة على الساحة العربية, فقد مورست من قبل في الدعوة إلى الحداثة والدعوة إلى البنيوية وغيرها من المناهج النقدية الغربية, وقوبلت بإنكار شديد من قبَل عدد من كبار المفكرين العرب, وعدوا ذلك تشويها وتحريفا مغلفا .*
***
*وها هو الحال يتكرر في الليبرالية السعودية, فيبدوا أن عمليات التجميل لم ترض كثيرا من كبار المثقفين, فأنكروا دعوى الخصوص السعودية ووصفوها بالخدعة والأكذوبة, ووصفوا من مارسها بأنهم أدعياء ومتسولون .*
***
*وقد أبدى بعض المراقيب تحفظا من جهة أخرى, وهي أن الليبرالية السعودية ادعت الخصوصية, ولم تبين لنا معالم تلك الخصوصية ولا الحواجز الفاصلة بينها وبين النسخة الأصلية, ولا القيم التي تقوم عليها ولا الأسس الفكرية التي تستند إليها, وإنما غاية ما ذكروه ممارسات يومية مشتتة يجمعها وصف واحد وهو المضادة للتوجه الشرعي في السعودية .*
*فغدت الليبرالية السعودية بدون أسوار ولا أبواب يدخل فيها كل من يريد .*
***
*وبهذا كله ازدادت الليبرالية غموضا إلى غموضها وقلقا إلى قلقها واضطرابا إلى اضطرابها, مما يؤكد مدى الأزمة التي تعاني منها في بناء مشروعها وعمق الإشكالية التأسيسية التي أصيبت بها منذ اللحظة الأولى من ولادتها, وهذا كله كانت له أبعاد كثيرة في كيفية توصيفها وفي منهجية تصنيفها .*
***
*الأزمة الثانية : التناقضات المتزاحمة :*
*ركبت العقلية البشرية على التسليم بالمبادئ الفطرية التي تتنافى بشكل قاطع مع الاضطراب والقلق, فالعقل البشري بطبعه يميل إلى الاتساق ويشعر بالارتياح إليه وبالسرور به .*
***
*ولكنه يفقد ذلك كله حين يكون متابعا للمنتج الليبرالي في السعودية, فنتيجة لانعدام الرؤية الناضجة في قيم الليبرالية, وضبابية الموقف من الأسس الفكرية, فقد وقعت الليبرالية في ممارسات تناقضية عديدة .. تألم منها بعض أتباع التيار الليبرالي نفسه, وكتب فيها مقطوعات رثائية عديدة, ومنها مقطوعة "المكارثيون السعوديون الجدد" يرثي فيها لحال زملائه ويندد فيها بالأوضاع المزرية التي وصلوا إليها من التناقض .*
***
*1-فبينما ينادي التيار الليبرالي السعودي صباح مساء بالحرية الفردية, ويطالب بفتح الباب لحرية الرأي, ويؤكد على أنها الأساس الذي يقوم عليه التطور والارتقاء والوصول إلى النضج المعرفي, فلا يكاد ينتهي من هذا كله إلا وتتهاوى هذه الدعوة في أول محطة من المواجهة, وتجده يتخلى بكل سهولة عما ينادي به, ويمارس الإقصاء ومحاربة الرأي المخالف له بكل صرامة, فكم اشتكى المثقفون من الإقصاء الليبرالي, وكم منعت أصوات جراء الحرب الضارية التي أقمها التيار الليبرالي على الحرية الفكرية .*
***
*ولم يكتف التيار الليبرالي بمحاربة الحرية بنفسه, بل انتقل إلى مرحلة أخرى, وهي التحريض على المنافذ الإعلامية التي تتيح للرأي المخالف رؤية النور, والدعوة إلى إغلاقها والتضييق عليها ولو بأسلوب متلوي متعسف, وأقرب مثال على ذلك: ما مارسه التيار الليبرالي من تحريض شديد على قتاة المجد لما ظهر من خلالها رأي يخالف التوجه الليبرالي .*
***
*ومع ذلك كله فالمتابع لا يجد لأكثر التيار الليبرالي كلاما عن انتهاك الحرية السياسية وقمع الأصوات التي تنادي بمحاربة الاستبداد وتداول السلطة, وتسعى إلى تحقيق العدالة, ولا نجد لهم كلاما عمن سلبت منهم حرياتهم بسبب انتقاده للاستبداد والتفرد بالسلطة, كل هذه الموضوعات يسكت عنها التيار الليبرالي, وكأنها لا علاقة لها بالحرية الفردية !!*
*ويبدو أن التناقض بين القيم الليبرالية وبين الممارسات اليومية للتيار
الليبرالي بدا يشكل كابوسا مزعجا يلاحقه في كل زمان ويظهر له في كل مكان.*
***
*2- ويلاحظ المراقب أن التيار الليبرالي جعل من أبجدياته اليومية الدعوة إلى محاربة التطرف والتشدد والإرهاب, وكرر على أسماع الناس بأن هذه المحاربة هي التي تؤدي إلى الاعتدال والاستقرار .. ولكننا نجده يتناقض في مواقفه من التطرف فقد غض الطرف عن تطرف آخر بلغ من الشطط والشذوذ مبلغا كبيرا, والغريب إن هذا التطرف ظهر للناس وهو يحمل اسم الليبرالية السعودية, فقد مورست شناعات دينية تحت ظل هذا الاسم, فظهر للعيان إنكار وجود الله والاستهزاء بالنبي والتشكيك في القرآن تحت مظلة "الشبكة الليبرالية السعودية " , ولم ير المراقبون من التيار الليبرالي الحماس النقدي ولا الكتابة المكثفة ولا الدعوات المركزة لإنكار هذا التطرف مثل ما رأوه في إنكار النوع الآخر, مع أنه في النوع الثاني أوجب على الليبرالية وألزم لأنه خرج بنفس الاسم الذي يحملونه وتحت المظلة نفسها .*
***
*3- ويدعو التيار الليبرالي في كل محفل وعند اقتراب معارض الكتاب إلى ضرورة الانفتاح المعرفي والمجتمعي على العالم والسماح بنشر كل مؤلف من غير تضييق عليه أو تحريض, ويسعى إلى إلغاء الرقابة على المنتجات الورقية وغيرها .. ولكننا نفاجأ بأنه في بعض خطاباته يتبنى الدعوة إلى الرقابة المشددة على منتوجات التوجه الديني من الكتب والمجلات والأشرطة والمواقع والقنوات والبرامج, ويدعو ولو بطرف خفي إلى التضييق عليها, وتكثيف الرقابة والمراقبة .*
***
*4- ولا يكاد يهدأ أكثر التيار الليبرالي من توجيه الذم إلى المجتمع ووصفه بأنه متخلف لم يعرف التطور ولم يذق طعم التقدم, ولم يعش الارتقاء, وأنه ما زال يعيش في عصر التقييدات المكانية والزمنية, وأنه لم يخرج عن البداوة والقبيلة .. ثم نجد ذلك الذم يقف عند دائرة المجتمع فقط, ولا يصل إلى السلطة الحاكمة, بل يصل في بعض المظاهر إلى الإطراء من شأن السلطة والإعلاء من رقيها وتقدمها, مع أن السلطة جزء من المجتمع, بل هي أحد الأسباب التي أدت إلى حدوث التخلف في المجتمع وإلى استمراره .*
***
*5- ويشن عدد من التيار الليبرالي حملة لا هوادة فيها على التصنيف الفكري للمجتمع ويعلن الإنكار القاطع لتقسيم المجتمع إلى تيارات معرفية متدافعة, ويصور ذلك على أنه أحد النواقض الكبرى لمفهوم الوطن الواحد, ولكن المراقب للمنتج الليبرالي يجد حضورا مكثفا للتصنيف والتقسيم, فهو من أكثر التيارات التي تقسم المجتمع إلى متشدد ومعتدل ومتطور ومتحجر ومتفتح ومنغلق وعقل أحادي وعقل تعددي وغيرها من التصنيفات التي لا يكاد تخلو منها الصحافة الليبرالية .*
***
*6- وقد اعتبر عدد من التيار الليبرالي الاختلاف الثقافي والمجتمعي والواقعي أحد الموانع التي تمنعنا من الاعتماد على التراث الإسلامي , فهو نشأ في بيئة مختلفة عن بيئتنا وفي نطاق فكري مختلف عن فكرنا , وبالتالي فلا داعي لاجتراره واستهلاك الوقت في إحيائه – كما يقولون - , ولكننا في المقابل نسمع صباح مساء دعوات مؤكدة على ضرورة الاقتراض من التراث الغربي وفتح الأبواب أمام الانغماس في أمواجه المتلاطمة , مع أنه هو الآخر مختلف عنا في كل الجوانب التي ذكرها التيار الليبرالي في تحييد التراث الإسلام!*
***
*ومن جهة أخرى يشهد المتابع للمنتج الليبرالي حضورا مكثفا للدعوة إلى الانفتاح على التراث الإنساني وضرورة الاستفادة مما فيه من قيم ومبادئ – ولا شك أن هذه دعوة صائبة في أصلها – ولكننا في المقابل نلمس تقليلا وتحقيرا من التراث الإسلامي وإعراضا ظاهرا عنه, ومحاولة لصرف الأنظار عنه, وكأنه ليس تراثا إنسانيا أيضا, وكأنه لم يقدم أي معنى من معاني الإنسانية.*
***
*7- ويستمر التيار الليبرالي في تناقضه, وذلك أنه أكثير من يتهم الآخرين بأنهم يزعمون لأنفسهم امتلاك الحقيقة ويصف من يفعل ذلك بالتحجر وضيف الأفق والخروج عن الواقع ولكن المراقب الواعي إذا تجول في المنتج الليبرالي يجد أنه من أشد التيارات التي تسلك مسلك من يرى أن الحقيقة لا تخرج عما يقول, ومن يرى أنه لا أحد يمتلك الحقيقة غيره, ويتجلى ذلك في عبارات القطع والجزم والتجهيل والتخطئة الجازمة والمؤكدة لأقوال من يخالف توجهاته, فإذا كان هذا الأسلوب لا يمثل امتلاك الحقيقة فما الذي يمثلها إذن؟!*
***
*8- ويقلل بعض التيار الليبرالي من أهمية الدعوة إلى المحافظة على الخصوصية الفكرية والمجتمعية, ويهون من أهمية الحفاظ على الهوية المعرفية ويستهجن فكرة الغزو الفكري ويعدها خيالا مصطنعا, بحجة أنا نعيش في عصر العولمة الذي أضحى العالم فيه قرية واحدة, ولكننا في المقابل نجده يقول إن الليبرالية السعودية لها خصوصيتها التي لا يشاركها فيها حتى الدول العربية, فهي ليبرالية ليس كمثلها ليبرالية, لأنها تتمتع بخصوصية وهوية صارمة لا تقبل الاختلاط بغيرها!*
*إن هذه الممارسات المتناقضة وغيرها مما لاحظها المراقبون استشرت في جسد الخطاب الليبرالي حتى وصلت على درجة الازدحام, وهي تؤكد مدى المعاناة المعرفية التي يعاني منها, وتشير إلى مقدار الأزمة المعرفية المخيمة عليه وتقيس كمية القلق الثقافي الذي تحدثه في الساحة الفكرية, وتظهر الكثافة الضبابية التي خيمت على أسس الليبرالية .*
***
* وإذا رجعنا إلى الاستقراء التاريخي لنستجلي الدلالات التي تستخلص من كثرة التناقضات وتزاحمها في مشروع ما فإن نجدها تدل إما على تفتت أصول المشروع وهزالتها وإما على ضعف تصور صاحب المشروع لها وإما على ضعف إيمانه بها وقلة تصديه بمضمونها وفائدتها , وبالتالي يخالفها في ممارساته اليومية.*
***
*والتيار الليبرالي بهذه التناقضات يكون فاقدا للمشروعية المعرفية وخاليا من مؤهلات النجاح الفكري؛ لأنه مفتقر إلى أوليات المنهجية المنتجة وأبجديات الأسس الأصلية التي تقوم عليها المشاريع المقنعة لأصحاب العقول المتسائلة.*
*ومن المستغرب حقا أن التيار الليبرالي ما زال مصرا على المضيء قدما في مزاولة تلك التناقضات, مع كثرة الأصوات الثقافية المنادية بالإنكار والتشنيع على صنيعهم والمحذرة من الآثار الفكرية والثقافية التي تحدثها تلك المزاولات في الساحة, ولكنه ألقى بكل الأصوات وراء ظهره , وكأنه يقول : ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد.*
محمد الخضيري
.................................
بقلم : ليلى الشهراني
عندما قرأت مقالة محمد بن الشيخ
المعنونة بـ (قطر تلتقط الترشيح من فم الأسد)
أيقنت أن سبب تأخرنا ليس في أنه ليس بيننا "موزة بنت مسند" بل لأنه يوجد كثير من أمثال محمد بن الشيخ يتدثرون بأغطية من حرير في انتظار أن تقوم المرأة بدورهم , فلم يستطيعوا خلال أكثر من مئة عام بأن يصبحوا كالإمارات أو حتى قطر التي تحدث عنها بن الشيخ بفوقية ومكابرة واضحة .
فلم ينسب الإنجاز لرجالات قطر بدأ بأميرها انتهاءً بأصغر موظف في وفدها , بل جعله انجاز موزة بنت مسند , ليضرب عصفورين بحجر واحد , فيسخر من قطر الصديق اللدود من جهة , ويدخل في ملف المرأة السعودية من جهة .
يبدو أن محمد بن الشيخ عندما يكتب مقالة , يكتبها لنفسه فتارة تجده يحدث نفسه , وتارة يسخر منها , وتارة يهمس لها , وفي النهاية تخرج مقالاته سخيفة ومضحكة وهي لا تليق بمن هم في عمره .
بن الشيخ يعتقد أن الشعب كلهم مثله يتنعمون في سيارات البانوراما أو يلبسون شماغهم من أرقى مصانع لندن وباريس , ويعتقد أنهم يستلقون مثله تحت مكيف الهواء المنعش لأنه يعيش في القرن الواحد والعشرين , ولا يعرف أن الشعب السعودي 80 % منهم بلا مساكن خاصة , وأن قرى سعودية لم يصلها الكهرباء , وأن البعض يلبس شماغ مهترئه أو من محلات بو ريالين .
وهذا سبب تخلف مقالات صحفنا وعلى رأسهم بن الشيخ , الذي أعمى الحقد قلبه على فوز قطر , ولو حلفت يميناً أن فوز قطر يغيظه لكنت صادقة , ولكنه وجدها فرصة لتكون مدخل لمقالته العصماء في التصدي للشيخ الفاضل المطلق. الذي وصفه بن الشيخ بالوعل الذي يناطح صخرة , مع أن العكس يقول غير ذلك , فمن ينظر لجبهة محمد بن الشيخ يرى كم تأثرت وهو يناطح ويصيح منذ سنوات بدون أن يخرج بنتيجة .
ما يعيب في هذه المقالة هو (عجز الرجال) عن الأفعال , والاستنجاد بصاحبات الظفائر لتنمية الوطن !
لنرجع لتجربة قطر يا بن الشيخ ولنبحث عن دور موزة في التنمية , قطر في خلال سنوات قليلة أصبحت مركز إعلامي عربي حر فهي راعية أول قناة إخبارية عربية تتخلف عن سياسة القطيع وتخرج بشكل مستقل لتضع لها بصمة في الإعلام العربي والغربي , وقطر هي دولة صغيرة حاربت الفساد باكراً فوجد القطري لنفسه بيتاً ووظيفة براتب مرضي ووجد الرعاية الصحية والتكنولوجيا والتعليم المتطور , ولم يكن انجازها فقط استضافة كأس العالم لأننا نعرف أن هذه الاستضافة سبقتها جهود جبارة من قطر في بناء ملاعب على أحدث طراز وبتكاليف أقل بكثير من تكلفة ملعب واحد لدينا , وأيضاً قبول قطر بالتطبيع مع إسرائيل , وقبولها بكل شروط المونديال من توفير المشروبات الروحية واستقبال الوفود العالمية وغيرها وهذه لن تقبل بها المملكة لأن الدين يعلو ولا يعلى عليه حتى لو كان هذا المونديال أمنية لكل حالم.
يعني كل هذه الإنجازات من بناء وتطوير لم يكن لموزة فيها أي دور , دورها فقط مرافقة الشيخ حمد , يعني الظهور الإعلامي فقط حتى في المطار .
قبل قطر كان فيه الشيخ زايد رحمه الله فقد بنى الإمارات بسواعد الرجال وليس ببراقع النسوان , وحول الإمارات في ظرف 30 سنة إلى دولة هي محط أنظار العالم .
لماذا يا بن الشيخ لا ترى الإنجاز إلا بعيون المرأة ؟ هل الأمر مختلف عندما تعمل المرأة ؟ وما هذا الإنجاز الذي غير فكرتك عن دولة عندما رأيت الشيخة موزة ؟ فقد سبق لهذه الدولة أن كان لها مواقف عربية كبيرة بالرغم من صغرها , حتى أن البعض يعرف قطر أكثر من دول الخليج بسبب تحركاتها السياسية وطرحها للقضايا العربية .
ما قاله الشيخ المطلق صادق فيه وهو أن هذا المؤتمر لا يمثلنا , حتى وإن كانت سمو الأميرة عادلة حضرته أو باركته فهو مؤتمر لا يمثل إلا من فيه , ومن الظلم أن يعمم هذا على كل السعوديات , أن نجد من يتكلم بلساننا ويطالب بأمور لم نطالب بها , ويترك أمور أكثر أهمية ليركز على الهوامش والأمور التي تخدم سيدات المجتمع أو صاحبات الأعمال , أما الفقيرات والغير متعلمات , وغيرهن من شرائح المجتمع النسوي فليس لهن صوت , لأنهن يعرفن أن هذا الصوت إذا ارتفع فسيكون مغاير لما يطالبن به , سيخرج صوت المسلمة الحرة الأبية لتقول كلمتها في هذا المؤتمر , لذلك الشيخ المطلق كفى ووفى بحديثه الذي أثلج صدور السعوديات وهن يشاهدن هذا التشويه المتعمد لهن .
أما التخلف الذي أزعجتنا به أنت وبقية السرب المغرد , فقمة التخلف هو ما نقرأه في مقالاتكم من شتائم وثقافة شوارع ومراهقين , فما أن تسمعوا من أحد المشائخ حديثاً إلا وتعلقوا عليه بكل تخلف وسوقية , وما أن يكتب شخص رؤيته المخالفة لكم إلا وتشتتون القارئ باستعراض عضلاتكم الإصطناعية بعد أن عجزت عقولكم عن مقارعة الحجة بالحجة , فملأتم مقالاتكم بشتائم ممجوجة , فها أنت لم تستطع كتابة كلمتين على بعضها للرد على المطلق فملأت المقال بشيء من "موزة قطر" وشيء من "تفاحة السعودية" لتخرج مقالاتك سلطة فواكه بنكهة الحنظل .
ثم ختمتها باسطوانتك القديمة التي تكررها على الشيخ النجيمي دائماً وهي الفضيحة المجلجلة في الكويت , ولا أدري ما هي الفضيحة التي تتكلم عنها , هل سرق النجيمي بنك الكويت المركزي , أم أنه أخذ شرهات من أمير الكويت ليضمن استمراره في العيش عالة على الكويت , أم انه أختطف عائشة الرشيد وقطع لسانها ؟ أم تزوج مسيار بإحدى فنانات أو رقصات الكويت , أم أنهم وجدوه مخموراً مطموراً في مراحيض دورات المياة في فنادق الكويت , ربما لو تركت أسلوب المعايرة والمكابرة مع مخالفيك لأنك أصبحت بهذه الحركات أصغر من رأس نملة .
وتذكر أنك في عمر أكتمل فيه عقل الرجل وذهبت حماقة الشباب وسفاهة المراهقة , وأن هذه المقالات لا تليق بك, فإن كنت فاعلاً فاستعن بمعلم للأدب ليتداركك قبل أن تدخل سن المهد , لأن سفاهة الشيخ مشكلة ألم تسمع قول الشاعر :
وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده *** وإن الفتى بعد السفاهة يحلم
فحتى لو كنت ابن من تكون فالناس لا يحترمون نسبك وأصلك وفصلك بل عقلك , وكل مقالة تكتبها تكشف أستارك وتجعلنا نتساءل من الذي فتح لك عمود للشخبطة واللخبطة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق